المبادئ العشرة لعلم التوحيد

الجمعة، ديسمبر 17، 2010 التسميات:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

الحمدُ لله مُسْتَحِقِّ الحَمْد وَحَقٌّ لَهُ أَنْ يُحْمَد، الأَحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ المَعْبُود وليْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُعْبَد ، المُتَقَدِّسِ في عظمته المُتَفَرِّدِ بِجلاله بما ليس كَمِثْلِه شَيْءٌ يُعْهَد. فَسُبْحَانهُ تَنَزَّهَ عن كُلِّ نَقْصٍ؛ فَتَبّاً لمن جَحد وأَلْحَد. قُدْرَتُه أزليةٌ وعظمتُه أبديةٌ وبقاؤُه دائمٌ على الدَوَامِ سَرْمَد. عِلمُه مُحِيطٌ وفَضْلُه جزِيلٌ وخَزَائِنُ جُودِهِ أبداً لا تَنْفَد .

أحمده سبحانه وتعالى، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ولا شبيه ولا مثيل ولا نِد. وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله ؛ ما طلعت الشَّمس على أفضلَ منه وأعلمَ بالله منه وأتقى لله وأَعْبَد. صَلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما دائمين مُتلازمين نَفُوزُ بهما يوم الجزاء ونَسْعَد .

وبعد؛

فهذا شرح لطيف على أرجوزة "الخريدة البهية شرح العقيدة السنية" للعلامة الصالح الشيخ ولي الله سيدي أبي البركات أحمد بن محمد الدردير المالكي رضي الله عنه وعنا به، راعيت فيه الجمع بين تهذيب المسائل وتقريبها لعموم طلبة العلم ، وبسط الفوائد والنكت العلمية، راجيا من الله أن يكون ( نافعا للمبتدي ، وتذكرة للمنتهي )، يَجِدُ فيه كلٌّ رغبتَه ومراده بتوفيق من المولى سبحانه وتعالى، فهو ولي ذلك والموفق إليه سبحانه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ولنقدم بين يدي الشرح تمهيدا في ذكر المبادئ العشرة لهذا الفن. فأقول وبالله التوفيق.

[ المبادئ العشرة لعلم التوحيد ]:

اعلم أن على طالب العلم أن يتصور العلم الذي هو بصدد دراسته تصورا صحيحا ، وذلك من خلال معرفة المبادئ العشرة ، التي أشار إليها بعضهم بقوله :

فَأَوَّلُ الأبوابِ في المَبادِي
الحدُّ والموضوعُ ثم الواضعْ

تَصَوُّر المسائلِ الفَضِيلَة

حقٌّ على طالب العلم أن يُحِيطْ

بِسَعْيِهِ قَبْل الشُّرُوعِ في الطَّلَبْ

وتلك عشرةٌ على مُرادِي
والاِسْتِمْدَادُ حُكْمُ الشَّارِعْ
نِسْبَةٌ فَائِدَةٌ جَلِيلَة
بِفَهْمِ ذِي العَشْرَة مَيْزها يُنِيطْ
بها يَصِير مُبصراً لما طَلَبْ

1 و2 )- حَدُّ علم التوحيد، وأسماؤه :

علم التوحيد هو: العلم الذي يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية، وذلك ببيان أدلتها وحججها، وكشف الشبه الواردة عن تلك الأدلة والحجج.

قال الإمام العضد في "المواقف"[1] : "والكلام: علمٌ يُقْتَدَرُ معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه ، والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم".

ويسمى أيضا : بعلم الكلام ، قال الحافظ ابن قطلوبغا في حاشيته على "المسايرة"[2] : " والكلام هو: علم التوحيد والصفات ، سُمِّيَ به لأن عنوان مباحثه كان قولهم : ( الكلام في كذا وكذا ) ، ولأن مسألة الكلام كانت أشهر مباحثه ، ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات وإلزام الخصوم ، ولأنه كثر فيه الكلام مع المخالفين والرد عليهم ما لم يكثر في غيره ، ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه ، كما يقال للأقوى من الكلامين: هذا هو الكلام ، وهو المعروف في هذا التركيب " .

ويسمى أيضا: علم أصول الدين؛ لابتناء الدين عليه .

ويسمى أيضا: علم العقائد .

وسماه الإمام أبو حنيفة بـ (( الفقه الأكبر )).

3)- موضوع علم التوحيد :

وأمّا موضوع علم التّوحيد فهو: المعلوم من حيث يتعلّق به إثبات العقائد الدّينيّة ، إذ موضوع كلّ علم هو ما يُبْحَثُ في ذلك العلم عن عوارضه الذّاتيّة ، ولا شكّ أنّه يبحث في هذا العلم عما يجب للباري تعالى كالقِدَمِ والوَحْدَةِ والقدرة والإرادة وغيرها ، وعما يمتنع عليه كالحدوث والتعدد والجسمية وغيرها ممّا هو عقيدةٌ إسلاميّةٌ ، وعن أحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركيب من الأجزاء، وقبول الفناء ونحو ذلك ممّا هو وسيلة إلى عقيدة إسلاميّة.

4)- واضع علم التوحيد :

يقول الشّيخ عليش في "فتاويه"([3]) في جواب سؤال : هل الإمام الأشعريّ هو واضع علم التّوحيد؟ .

فأجاب رحمه الله بقوله : "بل واضعه هو الله تعالى ، فقد أنزل في كتابه العزيز آيات كثيرة مبيّنة للعقائد وبراهينها ، وممّن دوّن فيه قبل أيّام الأشعريّ : الإمام مالك رضي الله عنه.

قال العلاّمة اليوسيّ في "قانونه": وأمّا واضعه أي علم الكلام؛ فقيل: هو الشّيخ أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ، ولا شكّ أنّه هو الذي دوّن هذا العلم، وهذّب مطالبه ونقّح مشاربه، فهو إمام أهل السّنةّ من غير مدافع، ولكنْ عدُّه واضعاً غيرُ بيّن؛ فإنّ هذا العلم كان قبله، وكانت لـه علماء يخوضون فيه؛ كالقلانسي، وعبد الله بن كلاب. وكانوا قبل الشّيخ يسمّون بالمثبتة؛ لإثباتهم ما نفته المعتزلة.

وأيضا علم الكلام -كما مرّ- صادق بقول الموافق والمخالف، والشّيخ كان يدرسه على أبي عليّ الجبّائيّ، وقصّته معلومة، فكيف يكون واضعا؟!.

والأولى أنّه علم قرآنيّ؛ لأنّه مبسوط في كلام الله تعالى، بذكر العقائد وذكر النبوّات، وذكر السّمعيّات، وذلك مجموعه مع ذكر ما يتوقّف على وجود الصّانع تعالى من حدوث العالم المشار إليه بخلق السّماوات والأرض والنّفوس وغيرها ، والإشارة إلى مذاهب المبطلين كالمثّلثة والمثنّية والطّبائعيّين وإنكار هذا عليهم، والجواب عن شبه المبطلين المنكرين لشيء من ذلك، إمكانا أو وجودا؛ كقولـه تعالى: « كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُه»[ الأنبياء:104]، وقولـه تعالى: «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ »[يس:79]، وقولـه تعالى: «الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا » [يس:80]. وذكر حجج إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام إقرارا لـها، وحكم لقمان وغير ذلك ممّا يطول. وتكلّم فيه النبيّ r؛ كإبطالـه اعتقاد الأعراب في الأنواء والعدوى ، وغير ذلك ، وهلمّ جرا. وهذا إذا اعتبر الكلام معزولا عن العلم الإلـهيّ ، وأمّا إن اعتبر العلم الإلـهيّ وأنّه هو المأخوذ في الملّة بعد تنقيحه بإبطال الباطل وتصحيح الصّحيح ، فلا إشكال أنّ وضعه قديم". انتهى كلام اليوسيّ ، رحمه اللـه تعالى.

وقال شيخ مشايخنا؛ العلاّمة الأمير: "قال- يعني اليوسيّ - : واشتهر أنّه واضع هذا الفنّ ، وليس كذلك بل تكلّم عمر بن الخطّاب فيه ، وابنه ، وألّف مالك رسالة فيه ، قبل أن يولد الأشعريّ؛ نعم هو اعتنى به كثيرا". اهـ. انتهى من "الفتاوى".

وقال الإمام تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى"[4]:

"اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأيا، ولم يُنْشِ مذهباً، وإنما هو مُقَرِّرٌ لمذاهب السّلف، مناضل عما كانت عليه أصحاب رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا، وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيلـه في الدلائل يسمى أشعريّا.

ولقد قلت مرة للشيخ الإمام رحمه الله - يقصد والده الإمام المجتهد تقي الدين السبكي - : أنا أعجب من الحافظ ابن عساكر في عَدِّه طوائفَ من أتباع الشيخ، ولم يذكر إلا نزرا يسيرا، وعددا قليلا، ولو وفَّى الاستيعابَ حقَّه لاستوعب غالب علماء المذاهب الأربعة، فإنهم برأي أبي الحسن يدينون اللـه تعالى، فقال: إنما ذكر من اشتهر بالمناضلة عن أبي الحسن، وإلا فالأمر على ما ذكرت من أن غالب علماء المذاهب معه.

وقد ذكر الشيخ شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن عقيدته اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفيَّة جمال الدين الحصيريّ " اهـ .

وقال في موضع أخر[5]:

"قال المآيُرْقِيُّ: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة؛ إنما جرى على سَنَنِ غيره، وعلى نصرة مذهب معروف، فزاد المذهب حجة وبيانا ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا انفرد به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال لـه مالكيّ، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبلـه وكان كثير الاتباع لـهم، إلا أنه لمّا زاد المذهب بيانا وبسطا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري، لا فرق، ليس لـه في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وتواليفه في نصرته".

ثم ذكر المآيُرْقِيُّ رسالة الشيخ أبى الحسن القابسي المالكي ، التي يقول فيها : واعلموا أن أبا الحسن الأشعري لم يأت من علم الكلام إلا ما أراد به إيضاح السنن والتثبت عليها .

إلى أن يقول القابسيّ: وما أبو الحسن إلا واحداً من جملة القائمين في نصرة الحق، ما سمعنا من أهل الإنصاف من يؤخره عن رتبة ذلك، ولا من يؤثر عليه في عصره غيره، ومن بعده من أهل الحق سلكوا سبيله" انتهى.

5)- استمداد علم التوحيد :

واستمداده من الأدلة النقلية – أي الكتاب والسنة والإجماع – والعقلية .

قال الشيخ العلامة عبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى في "شرح إضاءة الدجنة"[6] : " واستمداد هذا العلم من علم التّفسير والحديث ، ومن الإجماع ، وحكم العقل ، والقرآن العظيم وحده كاف في الاستمداد عند أهل الهداية والرشاد".

6)- حكم علم التوحيد :

وأما حكم هذا العلم فهو الوجوب ، كما بين ذلك الشيخ اللقاني رحمه الله تعالى في "جوهرة التوحيد" بقوله:

وَبَعْدُ فَالعِلْمُ بِأَصْلِ الدِّينِ

مُحَـتَّمٌ يَحْتَاجُ لِلتَّبْيِّينِ

وهذا الوجوب عيني فيما يخصُّ الدليل الإجمالي ، وكفائي فيما يخصُّ الدليل التفصيلي.

قال العلامة اللقاني رحمه الله تعالى في شرحه البيت السابق من شرحه لمنظومته : "يعني أن تعلم التوحيد وتعليمه واجب شرعا وجوبا محتما؛ أي لا ترخيص فيه؛ لقولـه تعالى «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»[محمد:19]، عينياً في العيني منه، وهو: ما يخرج به المكلف من التقليد إلى التحقيق، وأقلـه معرفة كل عقيدة بدليل ولو جمليا، وكفائياً في الكفائي منه، وهو: ما يقتدر معه على تحقيق مسائلـه ، وإقامة الأدلة التفصيلية عليها ، وإزالة الشبه عنها بقوة " انتهى .

7)- مسائل علم التوحيد :

وأما مسائله ، فهي : القضايا المبرهن عليها فيه بالبراهين اليقينية ، والقواطع النقلية .

قال العلامة اليوسي رحمه الله تعالى : " وأما مسائل هذا العلم فهي القضايا المثبتة فيه إما بالبراهين القطعية كثبوت الصانع وصفاته المصححة للفعل ، وإما بالدلائل النقلية كالنشر والحشر ".

8)- فضل علم التوحيد :

علم التوحيد هو أشرف العلوم الشرعية وأفضلها، إذ مَعْلُومُهُ أشرف المعلومات وأفضلها، والعلم تابع لمعلومه في الشرف .

قال العلامة الشيخ عليش رحمه الله تعالى في شرح "إضاءة الدجنة"[7] : " قال الرماصي في شرحه على "أم البراهين" : وأما فضيلته؛ فاعلم أن شرف العلم بشرف المعلوم، ولا شك أن الغرض الأهم والمقصود الأعظم من هذا العلم : معرفة ذات الله تعالى[8]، وصفاته، وكيفية أفعاله.

ومعرفة الله تعالى أشرف المعلومات؛ فهو أشرف العلوم .

والأدلة المستعملة فيه قطعية، وفي غيره ظنية .

والسعادة الأبدية لا تحصل إلا به، ولأن الخطأ فيه موجب للكفر والبدع، فيكون إصابة الحق فيه موجبا للخلود في دار القرار .

ولأن سائر العلوم لا تراد لنفسها، وإنما تراد للعمل بها، والعلوم العقلية تراد لنفسها؛ كالعلم بالله تعالى، وما يراد لنفسه أفضل مما يراد لغيره .

ولأن سائر العلوم ينقطع بفناء المكلف، وعلم التوحيد لا ينقطع، بل يزداد وضوحا؛ فإنه يصير ضروريا بعدما كان كسبياً .

ولأنه أصل للعلوم الدينية ، وهذا كله يدل على شرفه . قال الله تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ»[ آل عمران:18] .

قال صاحب "التذكرة" : ولا خلاف أن المراد بأولي العلم هنا: العلماء بالتوحيد؛ ففضَّلَهُم بهذا الفضل العظيم، فإنه جمعهم مع نفسه وأنبيائه وملائكته، وهذا غاية في الفضل، لم يصل إليها غيرهم من العلماء " انتهى .

وقال العلامة المقري رحمه الله في "إضاءة الدجنة" :

وبعدُ فالعلوم ذَاتُ كَثْرَهْ
وَنُوِّعَتْ إلى اعتقادٍ وعَمَل

وَكُلُّ عِلْمٍ للمَزِيَّةِ اكْتَسَبْ

وَكَيْفَ لا وهْوَ مُفِيدٌ لِلْوَرَى

وحُكْمُهُ على البَرَايا انْحَتَمَا

لأنَّهُ بِنُورِهِ يُنْقِذُ مِنْ

وبعْضُها له مَزِيدُ الأَثَرَهْ
والأَوَّلُ الكلامُ مُسْتَدْنِي الأَمَلْ
فالفَضْلُ مِنْ مَعْلُومِهِ لَهُ انْتَسَبْ
عِلْماً بِمَنْ أَنْشَأَهُمْ وَصَوَّرَا
وبالنَّجَاةِ فَازَ من لَهُ انْتَمَى
ظُلْمَةِ تَقْلِيدٍ قَنَفْعُهُ ضُمِنْ

وقال العلامة علي الأجهوري رحمه الله تعالى في "عقيدته" :

وبعدُ فَالعُلُومُ بَاليَقِينِ       أَجَلُّهَا عِلْمُ أُصُولِ الدِّينِ

قال في "شرحها" : " لأن ما سواه من العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه وأصوله كلها مبنية عليه " .

9)- نسبة علم التوحيد :

هو أصل العلوم الشرعية .

قال العلامة اليوسي رحمه الله تعالى : " وأما نسبة هذا العلم من العلوم الدينية ، كالتفسير والحديث والأصول والفقه ، فهو كلي لها وهي له جزئيات ، وذلك لأن المفسر ينظر في الكتاب فقط، والمُحَدِّث في السنة فقط ، والأصولي في الدليل الشرعي فقط ، والفقيه في فعل المكلف فقط ، والمتكلم ينظر في الأعم وهو الموجود ، فيقسمه إلى قديم وإلى حادث، ويقسم الحادث إلى قائم بنفسه وهو الجوهر ، وقائم بغيره وهو العرض ، ويقسم العرض إلى ما تشترط فيه الحياة كالعلم ، وما لا كالبياض ، ثم ينظر في القديم وأنه واحد لا تكثر في ذاته ولا يتركب ، وأنه تجب له صفات وتستحيل عليه صفات وتجوز في حقه أحكام ، وأن الفعل جائز في حقه ، وأن العالم كله حادث من صنعه ، وأنه دليل عليه ، وأن بعث الرسل من أفعاله الجائزات ، وأنه قادر على تصديقهم بالمعجزات ، وأنه وقع هذا الجائز ، وحينئذ ينقطع حكم العقل ويتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم ما يرد منه من قول أو فعل أو تقرير .

فإذا بين المتكلم أن كل ما يرد من قبل الرسول حق ، أخذ المفسر واحدا من هذا الوارد، وهو القرآن ؛ فيتكلم عليه . وأخذ المحدث واحدا فقط وهو الحديث ، وأخذ الأصولي واحدا فقط ، وهو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع ، وأخذ الفقيه واحدا فقط ، وهو فعل المكلف من نسبته إلى الفعل الشرعي . وهذه كلها إنما تثبتت بعلم الكلام ، فهو كلي لها. وأنت خبير بأن ما ذكرنا إنما هو بين الموضوعات لا الفنون أنفسها ، ولكنها توصف بحسب موضوعاتها "[9] انتهى ، وهو نفيس جدا .

10)- فائدة علم التوحيد :

وأما فائدة هذا العلم فهي معرفة الله تعالى ، ما يجب له سبحانه وما يجوز في حقه ، وما يستحيل في حقه سبحانه وتعالى ، وكذا ما يتعلق برسله .

وقال الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى في فائدته: " أن يصير الإيمان والتصديق بالأحكام الشرعية مُتَيَقَّناً مُحْكَماً لا تزلزله شبه المبطلين ، ومنفعته في الدنيا : انتظام أمر المعاش بالمحافظة على العدل والمعاملة التي يُحتاج إليها في بقاء النوع الإنساني على وجه لا يؤول إلى الفساد . وفي الآخرة : النجاة من العذاب المترتب على الكفر وسوء الاعتقاد "[10].


[1]- شرح المواقف للشريف الجرجاني (1/34).

[2]- (ص:21) .

[3]- فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (1/18).

[4]- طبقات الشافعية الكبرى(3/365).

[5]- طبقات الشافعية الكبرى:(3/367)

[6]- (ص: 24).

[7]- (ص: 83-84).

[8]- أي ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حقها ، وأما معرفة حقيقة الذات الإلهية فلا سبيل إلى ذلك .

[9]- انظر: شرح إضاءة الدجنة لعليش (ص:82-83).

[10]- شرح إضاءة الدجنة للنابلسي (ص:26).

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

1 التعليقات :

sama يقول...

مقال رائع جداً عن كيفية التعامل مع المراهقين..
لا يفوتكم ⬇⬇
https://noslih.com/article/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84+%D9%85%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%82%D9%8A%D9%86+..+%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%87%D9%85+%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%8B%D8%A7

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates