مبحث: تعلق الصفات

الجمعة، ديسمبر 06، 2013 التسميات:
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله


قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَوَاجِبٌ تَعْلِيقُ ذِي الصِّفَاتِ ** حَتْمًا دَوَامًا مَا عَدَا الحَيَاةِ
فَالعِلْمُ جَزْمًا وَالكَلَامُ السَّامِي ** تَعَلَّقَا بِسَائِرِ الأَقْسَامِ
وَقُدْرَةٌ إِرَادَةٌ تَعَلَّقَا ** بِالمُمْكِنَاتِ كُلِّهَا أَخَا التُّقَى
وَاجْزِمْ بِأَنَّ سَمْعَهُ وَالبَصَرَا ** تَعَلَّقَا بِكُلِّ مَوْجُودٍ يُرَى

قلت:
المراد بتعليق الصفات: اقتضاء الصفة أمرا زائدا على على قيامها بالذات، كاقتضاء العلم معلوما ينكشف به، واقتضاء الإرادة مرادا يتخصص بها، وهكذا.
وحاصل ما ذكره الناظم رحمه الله تعالى هنا: أن هذه الصفات من حيث التعلق على أربعة أقسام:
الأول: ما لا يتعلق بشيء، وهو: صفة الحياة، إذ هي صفة تصحح لمن قامت به الإدراك، من غير أن تطلب أمرا زائدا على قيامها بمحلها.
القسم الثاني: ما له تعلق بجميع أقسام الحكم العقلي، التي هي: الواجب والمستحيل والجائز، وهما صفتان: العلم والكلام. وهذا مراده بقوله:
فَالعِلْمُ جَزْمًا وَالكَلَامُ السَّامِي ** تَعَلَّقَا بِسَائِرِ الأَقْسَامِ
فالعلم يتعلق بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات تعلقا تنجيزيا قديما.
مثال الواجبات: ذاته وصفاته وأفعاله، فيعلمها على الحقيقة .
مثال الجائزات: ذات الممكنات وصفاتها .
مثال المستحيلات: الزوجة والولد والشريك وسائر النقائص، فيعلمها مستحيلة منفية عنه سبحانه.
والكلام أيضا مثله، يتعلق بجميع الممكنات والواجبات والمستحيلات.
والمثلية هنا من حيث تلك الأحكام الثلاثة، وإن اختلفت جهة التعلق. فتعلق العلم تعلق انكشاف، بينما تعلق الكلام تعلق دلالة وإخبار .
مثال دلالة الكلام على الواجب: قوله تعالى « قل هو الله أحد»[ الإخلاص:1]
ومثال دلالته على الجائز: قوله تعالى « وربك يخلق ما يشاء ويختار » [ القصص:68].
ومثال دلالته على المستحيل: قوله تعالى « لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا »[ الأنبياء:22].
وتعلقه بالواجب والمستحيل تنجيزي قديم.
وبالنسبة لأفعال المكلفين: صلوحي قديم وتنجيزي حادث.
القسم الثالث: ما له تعلق بجميع الممكنات، وهو صفتان أيضا: الإرادة والقدرة. وهو مراده بقوله:
وَقُدْرَةٌ إِرَادَةٌ تَعَلَّقَا ** بِالمُمْكِنَاتِ كُلِّهَا أَخَا التُّقَى
والمعنى أن القدرة والإرادة تتعلقان بجميع الممكنات، ولا يشذ ممكن عنهما، سواء كان جليلا أو حقيرا، فكل الممكنات بالإضافة إلى عظمة الله متساوية.
ولا تتعلقان بواجب ولا مستحيل.
أما عدم تعلقهما بالواجب، فلأنهما إما أن يتعلقا بهما إيجادا أو إعداما.
ولا يجوز تعلقهما بإيجاده؛ لأنه يلزم منه تحصيل الحاصل، وهو باطل عقلا.
ولا بإعدامه؛ لأنه يلزم منه قلب الحقائق، فالواجب لا يمكن أن يفنى، لأنه إن فَنِيَ أصبح غير واجب، وذلك مستحيل .
وأما عدم تعلقهما بالمستحيل، فلأنهما إما أن يتعلقا بهما إيجادا أو إعداما.
ولا يجوز تعلقهما بإعدامه؛ لأنه يلزم منه تحصيل الحاصل.
ولا بإيجاده؛ لأنه يلزم عنه قلب الحقائق، والمستحيل لا يقبل الوجود
والقدرة والإرادة وإن تماثلا في التعلق بجميع الممكنات، إلا أنهما يختلفان من حيث جهة التعلق، فالقدرة تتعلق بالممكنات تعلق إيجاد وعدم، بينما الإرادة تتعلق بالممكنات تعلق تخصيص. أي أنها تخصص كل ممكن ببعض ما يجوز عليه من الممكنات.
القسم الرابع: ما له تعلق بجميع الموجودات، وهما: صفتا السمع والبصر، وهذا مراده بقوله:
وَاجْزِمْ بِأَنَّ سَمْعَهُ وَالبَصَرَا ** تَعَلَّقَا بِكُلِّ مَوْجُودٍ يُرَى
والمعنى: أن السمع والبصر يتعلقان بكل موجود، تعلق إحاطة وانكشاف.
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates