الحديث الصحيح

الجمعة، ديسمبر 17، 2010 التسميات:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

قال الناظم رحمه الله تعالى:

ثم الصحيح عندهم ما اتصلا ***  بنقل عدل ضبطه قد كملا
إلى النهاية بلا تعــــــلــــيل ***  ولا شذوذٌ فاعن بـالتحصيل

قلت :
الصحيح
فعيل من الصحة، وهو وصف حقيقي في الأجسام ، مجازي في المعاني .
هذا في اللغة، وأما في الاصطلاح فهو - كما يقول الناظم رحمه الله تعالى – : "ما ( أي المتن ) الذي اتصل بنقل عدل كامل الضبط من أوله إلى آخره ، ولم يدخله شذوذ ولا علة قادحة ".
وانطلاقا من هذا التعريف يتبين لنا أن الحديث الصحيح هو ما توفرت فيه شروط خمسة، وهي:
الشرط الأول: اتصال السند : بأن يتلقى كل راو من الراوي الذي يليه بطريق يصح بها التلقي .
وطرق التلقي والتحمل عند المحدثين ثمانية ، وهي : السماع ، العرض أو القراءة على الشيخ ، الكتابة ، الوصية ، الإعلام ، المناولة ، الإجازة والوجادة .
وللمحدثين تفاصيل فيما يصح التحمل به من هذه الطرق وما لا يصح ، تنظر في المطولات .
الشرط الثاني: العدالة: لغة : مصدر عدُلَ ، يقال : عدُلَ فلان عدالة وعدولة ، والعدل من الناس : المرضي قوله وحكمه ، والعدل يطلق على الواحد وغيره ، يقال : هو عدل وهي عدل وهما عدل وهم عدل وهن عدل.
وأما العدل الذي هو ضد الجور فهو مصدر قولك : عدل في الأمر فهو عادل ، وتعديل الشيء :تقويمه.
أما اصطلاحا: فهي : "ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة".
ومقومات العدالة:
1-الإسلام
:فلا تقبل رواية الكافر بالإجماع ، سواء أعلم من دينه الاحتراز عن الكذب أم لم يعلم،لأن في قبولها تنفيذا لقولِه على المسلمين،ولم يجعل الله للمشركين على المسلمين سبيلا.
وهذا الشرط - أي الإسلام – هو شرط للأداء لا للتحمل،بمعنى أن الكافر إذا أسلم قبلت روايته وإن كان تحملها حال كفره.
وذلك مثل حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في المغرب بالطور،فلما بلغ هذه الآية:{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ .أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ . أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}[ الطور:35-37]كاد قلبي أن يطير "رواه البخاري.
فهذا الحديث تحمله سيدنا جبير قبل أن يسلم،ففي رواية قال:"وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ".
2-العقل:لأنه مناط الخطاب،فلا تقبل رواية المجنون اتفاقا.
3-البلوغ:فلا تقبل رواية من هو دون سن التكليف.
وقال بعض الشافعية يقبل المميز إن لم يجرب عليه الكذب.
وتحرز العلماء في قبول الرواية من الصغير خشية الكذب،فقد يكذب لأنه لا يقدر أثر الكذب ولا عقوبته،ولأنه لا رادع له،ثم إن الشرع لم يجعل الصبي وليا في أمور دنياه،ففي أمر الدين أولى.
والبلوغ شرط للأداء لا للتحمل أيضا،فالراوي إذا تحمل صغيرا وأدى كبيرا قبلت روايته ،بدليل إجماع الأئمة على قبول حديث جماعة من صغار الصحابة مما تحملوه في حال الصغر،كالسبطين عليهما السلام وابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم وغيرهم.
4-التقوى:وعرفها الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر):بأنها :" اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة".
فلا يقبل خبر المشرك..
ولا الفاسق :والفسق هو الخروج عن طاعة الله بارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر .
ولا المبتدع. : وقد اختلف المحدثون في حكم رواية المبتدع اختلافا كبيرا.
فهناك من يرد رواية المبتدع مطلقا.
وهناك من يميز بين المبتدع الذي يكفر ببدعته والذي لا يكفر ببدعته،فيرد حديث الأول ويقبل الثاني.
وهناك من يفرق بين البدعة الغليظة والبدعة الخفيفة.
وفرق آخرون بين المبتدع الداعي إلى بدعته وغير الداعي،فتقبل رواية غير الداعي وترد رواية الداعي !!
وقيل:تقبل رواية المبتدع إذا لم يرو ما يؤيد بدعته !!
هذا وقد ذهب بعض المحققين إلى أن البدعة أمر أجنبي عن الرواية،وأن العبرة بصدق الراوي لا بمذهبه،فمتى تيقنا صدقه أخذنا بروايته غير ناظرين إلى بدعته.
ومن جملة هؤلاء الحافظ أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى،وقد حقق المسألة وأصل لها بما ليس عليه مزيد في كتابه العظيم (( فتح الملك العلي بصحة باب مدينة العلم علي )) فانظره لزاما.
5-المروءة:قال العلامة طاهر الجزائري رحمه الله تعالى في (توجيه النظر إلى أصول الأثر):"المروءة هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق،وجميل العادات ".
ومدار المروءة على العرف،ولهذا قال العلامة الزنجاني في شرح الوجيز:"المروءة يرجع في معرفتها إلى العرف ،فلا تتعلق بمجرد الشارع،وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط،بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان،فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعد خرما للمروءة".
هذا وقد ذهب البعض إلى عدم اعتبار السلامة من خوارم المروءة من مقومات العدالة.
قال الزركشي رحمه الله تعالى:"واعلم أن اشتراط السلامة من خوارم المروءة خارج عن العدالة،فإن العدالة اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر،وخوارم المروءة:التلبس بما لا يعتاد به أمثاله".
فالعدل إذن هو: المؤمن التقي المتصف بالصفات الحميدة،السالم من الفسق .
والمراد بالعدل هنا : عدل الرواية لا عدل الشهادة ، للفرق بينهما.
وتعرف عدالة الراوي بأحد طريقين:
1-الاستفاضة:
أي اشتهار حال الراوي بالصدق واستقامة السيرة والدين حتى لا يغيب ذلك عن جمهور الأمة،وذلك مثل مالك وشعبة والسفيانيين والأوزاعي وابن المبارك وابن معين وغيرهم ممن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر.
2-أو بتزكية أحد علماء الجرح والتعديل.
الشرط الثالث الضبط :
  وهو لغة:لزوم الشيء وحبسه وحفظه بحزم.
أما اصطلاحا:فهو ينقسم إلى قسمين:ضبط صدر وضبط كتاب.
1-ضبط صدر:وهو أن يحفظ ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره وقت ما شاء.
2-ضبط كتاب:وهو صيانة الراوي لكتابه عنده من وقت سماعه وتصحيحه إلى وقت أدائه وتبليغه.
ويشترط في الراوي لكي يكون ضابطا أمور:
1-أن يكون متيقظا غير مغفل.
2-أن يكون حافظا إذا حدث من حفظه.
3-أن يكون ضابطا إذا حدث من كتابه.
4-أن يكون عالما بما يحيل-أي يغير-المعنى إذا حدث بالمعنى.
ويعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان،فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة،عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا،وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه،ولم يحتج بحديثه.
والضبط قيد يخرمه ما يلي:
*-فحش الغلط وكثرته: لا تقبل رواية من كثرت الشواذ والمناكير في رواياته،لأنه يدل على عدم حفظه.
أما من كانت غلطاته قليلة فلا تؤثر في ضبطه.
*-الغفلة: أي عن الإتقان.
فحديث المغفل مردود، لفقده شرط التيقظ ، الذي هو أساس شريطة الضبط،الذي يلزم لقبول حديثه.
*-الوهم: أي بأن يروي على سبيل التوهم، كأن يصل المرسل، أو يرفع الموقوف، أو يدخل حديثا في حديث، أو نحو ذلك.
*- المخالفة: أي للثقات، وذلك لأن ضبط الراوي يعتبر بموافقة مروياته لمرويات الثقات، كما سبق وذكرنا.
*- سوء الحفظ:لا يقبل حديث سيئ الحفظ، لأن سوء الحفظ وصف ينافي التيقظ والضبط.
والمراد بسوء الحفظ هنا:أن يكون غلطه أقل من إصابته.
والراوي الذي يجمع بين العدالة والضبط يسمى عند المحدثين:"ثقة ".
الشرط الرابع: السلامة من الشذوذ:أي أن لا تكون هناك مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه،كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الشاذ من هذا النظم.
الشرط الخامس: الخلو من العلة القادحة: والعلة هي:سبب خفي قادح في صحة الحديث مع أن ظاهره الخلو منها.
قال الشيخ الشنشوري رحمه الله تعالى في (( خلاصة الفكر )):"وخرج بالقادحة غيرها،بأن يتعدد السند ويقوى الاتصال أو نحوه،أو يقع الاختلاف في تعيين واحد من ثقتين"

مثال الحديث الصحيح:
روى الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".
فهذا الحديث صحيح ،لأنه اشتمل على جميع شروط الصحة التي ذكرنا.
فهو متصل السند.
سالم من الشذوذ.
خال من العلة القادحة.
رواته ثقات:
فمالك هو إمام دار الهجرة،وأمير المؤمنين في الحديث،وهو إمام جليل،اتفقوا على جلالته وإمامته.
قال الحافظ الذهبي –رحمه الله- بعد ذكر جملة من ثناء الأئمة عليه : " وقد اتفق لمالك –رحمه الله- مناقب ما علمتها لغيره :
أحدها : طول العمر، وعلو الرواية .
ثانيتها : الذهن الثاقب، والفهم وسعة العلم .
ثالثتها : اتفاق الأمة على أنه حجة صحيح الرواية.
رابعتها : تجمعهم على دينه وعدالته، واتباعه السنن .
خامستها : تقدمه في الفقه والفتوى، وصحة قواعده ".
عبد الله بن دينار العدوي،أبو عبد الرحمن المدني :إمام جليل،قال فيه ابن معين وأحمد وأبو حاتم والنسائي وابن سعد:ثقة،وزاد ابن سعد:كثير الحديث.توفي سنة 127 هـ.
عبد الله بن عمر بن الخطاب:صحابي جليل،قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:إنه رجل صالح.ومناقبه رضي الله عنه عديدة مشهور ة،توفي سنة 73هـ،وقيل:74هـ.
هذا والله تعالى أعلم .

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates