مبادئ علم الحديث

الأربعاء، ديسمبر 15، 2010 التسميات:
بسم الله الرحمن الرحيم
filemanager
الحمد لله الذي شرح بسنة نبيه صدور أوليائه، وروَّح بسماع حديثه أرواح أصفيائه، وخصَّ حفاظه والمعتنين بجمعه جزيل حِبائه، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له في أرضه ولا سمائه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين وأولاه جليل عطائه، وفضَّله على خاصة أحبابه وختم بمسكه رحيق أنبيائه ، صل اللهم عليه وعلى آله وصحبه وخلفائه، وارزقنا اللهم بركته ومحبته واحشرنا تحت زمرته ولوائه .
وبعد ؛
فهذه تعاليق لطيفة ، وطرر منيفة ، على منظومة (( الطرفة في ألقاب الحديث ))، لسيدي العلامة العربي الفاسي رضي الله عنه ، اقتصرت فيها – روما للاختصار - على حلِّ الألفاظ، وتوضيح الألقاب، مع ضرب الأمثلة لزيادة الإيضاح والبيان.
وقبل البدء في الشروع بالتعليق على النظم، فلا بد من مقدمة في بيان مبادئ هذا العلم .
[ مبادئ علم الحديث ]:
ذلك أن علماءنا ذكروا أنه ينبغي لطالب العلم أن يتصور العلم الذي يشرع في طلبه ، ليكون على بصيرة ، وذلك من خلال مبادئ عشرة ، جمعها الناظم رحمه الله تعالى في قوله:

فأول الأبواب في المبادي *** وتلك عشرةٌ على مُرادِي
الحدُّ والموضوع ثم الواضع *** والاستمداد حكم الشارع
تصور المسائل الفضيلة *** ونسبة فائدة جليلة
حقٌّ على طالب العلم أن يحيط *** بفهم ذي العشرة ميزها يُنِيط
بسعيه قبل الشروع في الطلب *** بها يصير مُبصرا لما طلبْ

[ حد علم الحديث ]:
( علم الحديث ) مركب إضافي ، والمركب الإضافي يعرف بأحد اعتبارين :
اعتبار لفظي ، وهو : ما يفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني ، وبالتالي يلزم في تعريفه تعريف مركبيه من المضاف (( علم )) ، والمضاف إليه (( الحديث )) ، والإضافة (( علم الحديث )) ، التي هي بمنزلة الجزء الصوري للمركب الإضافي.
اعتبار لقبي ، أي كونه علما على هذا الفن الخاص به ، من غير نظر إلى الأجزاء المكونة له، وبالتالي يحتاج إلى تعريفه باعتباره مفردا فقط.
وسنقتصر هنا على تعريف هذا العلم باعتباره الثاني ، أي الاعتبار اللقبي دون اللفظي. لاستقرار هذا العلم ، وكون هذا اللقب أضحى وصفا مميزا له عن باقي العلوم .
وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
1- علم الحديث رواية .
2- علم الحديث دراية .
فأما علم الحديث رواية ؛ فهو : العلم الذي يعنى بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث روايتها وضبطها وتحرير ألفاظها .
وأما علم الحديث دراية ؛ فهو : العلم بقوانين يدرى بها أحوال السند والمتن من صحة وحسن وضعف ورفع ووقف وقطع وعلو ونزول وكيفية التحمل والأداء وصفات الرجال وما أشبه ذلك(1).
وهو المراد عند الإطلاق. قال السيوطي رحمه الله:
علم الحديث ذو قوانين تحد … يدرى بها أحوال متن وسند
فذانك الموضوع والمقصود … أن يعرف المقبول والمردود
[ موضوع علم الحديث ]: أحوال المتن والسند ، أي من حيث الصحة والحسن والضعف والرفع والوقف والقطع والعلو والنزول وكيفية التحمل والأداء وصفات الرجال وما أشبه ذلك .
[ثمرته]: معرفة المقبول من المروي والمردود .
[ فضله ] : فلا شك أن علم الحديث من أفضل العلوم وأشرفها ، وقد قيل الكثير في فضل هذا العلم ، وفضل أهله المشتغلين به ، نثرا وشعرا ، ومن كلام العلامة الشيخ الكرماني رحمه الله في أول شرحه على البخاري ، المسمى (( الكواكب الدراري )): ” أمّا بعد; فإنّ علم الحديث بعد القرآن هو أفضل العلوم وأعلاها ، وأجلّ المعارف وأسناها، من حيث أنّه به يعلم مراد الله تعالى من كلامه، ومنه يظهر المقاصد من أحكامه; لأنّ أحكام القرآن جلّها بل كلّها كليّات،والمعلوم منه ليس إلاّ أمور إجماليّات، كقوله: ( أقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة)، فإنّ السنّة هي المُعرِّفة بجزئيّاتها، كمقادير أوقات الصلاة وأعداد ركعاتها وكميّاتها وكيفيّاتها وفرائضها ونوافلها وهيئآتها وآدابها وأوضاعها وصفاتها، وهي الموضحة لمعضلاتها كأقدار نصب الزكاة وأنواع ما يجب فيها وأوقات الأداء ، ومن وجبت عليه وما وجب منها وهلمّ جرّاً.
ولذلك كان أعلى العلماء قدراً ، وأنورهم بدراً ، وأفخمهم خطراً ، وأنبلهم شأناً، وأعظمهم عند الله منزلة ومنزلاً ، وأكرمهم مكانة ومكاناً : حملة السنّة النبويّة ، وناقلوا أخبارها ، وحفظة الأحاديث وعاقلوا أسرارها ، ومحقّقوا ألفاظها وأرباب رواياتها ، ومدقّقوا معانيها وأصحاب درايتها، وهم الطائفة المنصورة المشيدة لمباني الحقّ والمسالك، ولن يزالوا ظاهرين عليه حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك ” .
[ نسبته ] : هو من علوم الآلة .
[ واضعه ]: علماء الحديث ، وعلم الحديث كأي علم آخر ، سبق وجوده تدوين قواعده ، حيث كان المحدثون الأُول يحتكمون إلى مجموعة من القواعد والأصول في تعاملهم مع الأحاديث قبولا أو ردا ، ولكن كانت تلك القواعد عندهم غير مدونة ، ويمكن أن نعد رسالة الإمام الشافعي ، ومقدمة صحيح الإمام مسلم ، وكتاب العلل للإمام الترمذي ، أول المؤلفات ، التي أثارت بعض قضايا هذا الفن .
وأما تدوين هذا الفن كعلم مستقل بذاته ، فقد بدأ مع كتاب ” معرفة علوم الحديث ” للحاكم النيسابوري ، وهو كتاب نفيس ، وقد عقب عليه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على علوم الحديث ، وبدأ هذا العلم يستقر مع تآليف الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى ، الذي ألف في مختلف علوم هذا الفن ، حتى صار من بعده عالة على كتبه .
وجاء الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى فجمع شتات ما تفرق من مباحث هذا العلم في كتب الخطيب وغيره ، في كتابه العظيم ” معرفة علوم الحديث ” المشهور بالمقدمة في المصطلح .
وأضحى هذا الكتاب مدار التآليف في هذا العلم .
ما بين مختصر له ، كالنووي في الإرشاد ، واختصر الإرشاد في التقريب ، وهو الذي شرحه السيوطي في تدريب الراوي ، وهو شرح ممتع جدا. وللحافظ السخاوي أيضا شرح على التقريب .
وممن اختصر كتاب ابن الصلاح أيضا : القاضي البدر ابن جماعة ، والحافظ ابن كثير ، والعلاء المارديني ، وغيرهم .
ومنكت عليه ، كالحفاظ : العراقي والأبناسي والبلقيني وابن حجر وغيرهم .
ما بين ناظم له ، كالشيخ الشهاب الخوبي ، والحافظ العراقي والحافظ السيوطي وغيرهما.
وتعد منظومة العراقي والأعمال التي لحقتها ، أحد أكبر مصادر هذا العلم ، حيث اعتنى بهذه المنظومة الكثير من أهل العلم ، فممن شرحها: العراقي نفسه ، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ، وزين الدين عبد الرحمان العيني ، والجلال السيوطي ، وإبراهيم الحلبي ، وأبو الفداء ابن جماعة الكتاني ، وقطب الدين محمد بن محمد الدمشقي ، وشمس الدين السخاوي ، وغيرهم .
وقد لخصها نظما: العلامة الكبير سيدي أبو عبد الله محمد بن حمدون بن الحاج الفاسي .
على أنه تعد رسالة (( نخبة الفكر )) وشرحها (( نزهة النظر )) كلاهما لحافظ الدنيا سيدي ابن حجر العسقلاني ، أهم تلك المؤلفات ، على اعتبار أنها تمثل مرحلة الاستقرار النهائي لقواعد هذا العلم واصطلاحاته . وللشيخ الدكتور إبراهيم بن محمد نور سيف حفظه الله تعالى دراسة لطيفة عن نخبة الفكر وعن منهجها ، تحدث فيها عن أهمية الكتاب ومنهجيته ، والأعمال التي اعتنت بالنخبة ، فليراجعها من يريد الاستزادة في هذا المبحث ، والله تعالى أعلم .
[ الاسم ] : يسمى هذا العلم بعلم الحديث ، لكونه من الحديث بمنزلة الأصول من الفقه ، كما يسمى بعلم أصول الحديث ، وعلم مصطلح الحديث ، وهذه الاصطلاحات كلها متقاربة ، تدل على معنى واحد .
[ حكم الشارع ]: هو من فروض الكفايات ، وقد يتعين بالشروع فيه على مذهبمن يرى تعين الفرض الكفائي بالشروع فيه ، أو إذا لم تتحقق الكفاية إلابواحد معين .
[ مسائله ] : قضاياه التي تذكر فيه صريحا أو ضمنا ، كشروط الصحيح وطرق التحمل وصيغ الأداء ، ونحو ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في هذين التعريفين نظر ليس هنا محل بسطه، وانظر (( توجيه العناية لتعريف علم الحديث رواية ودراية )) لسيدي عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله. هذا وقد سطا بعض المحسوبين على هذا الفن من ” محدثي السلفية “!!، فسرق ذلك التحقيق العلمي النفيس الذي ذكره سيدي عبد الله بن الصديق الغماري نقلا عن أخيه حافظ العصر مولاي أحمد ، ناسبا له إلى نفسه ، مدعيا أنه نتاج فكره ، وأنه قرأ جميع كتب الحديث فلم يجد من سبقه إلى ذلك التحرير ، مع أنه أورد الأدلة نفسها التي ذكرها العلامة مولاي عبد الله الغماري رحمه الله ، وصدق مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :” إذا لم تستح فاصنع ما شئت “.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

1 التعليقات :

Fatima Ahmed يقول...

السلام عليكم، أريد إبلاغ أي شخص يقرأ هذا ويرغب في الحصول على تمويل من شركة موثوقة، يرجى الاتصال بهذه الشركة وإبلاغها بالتفاصيل أدناه واتباع كل ما يُطلب منك القيام به وستحصل على التمويل الخاص بك لأنه لقد حصلت على قرضي منهم ولهذا السبب أفعل ذلك أيضًا لمساعدة أي شخص في حاجة ماسة إلى التمويل. اتصل بهم عبر البريد الإلكتروني (contact@sunshinefinser.com) أو WhatsApp: +919233561861

فاطمة.

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates