أحوال الإسناد الخبري (2)

الأحد، مايو 13، 2012 التسميات:

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

images (4)

[4]- في الإسناد العقلي

قال الناظم رحمه الله تعالى:

والفعلُ أو معناهُ إن أسنَدَهُ         لما لَهُ مِن ظاهرٍ ذا عندَهُ

حقيقةٌ عقليةٌ وإن إلَـــــــى        غيرِ مُلابسٍ مجَازاً أَوّلَا

معناه: أي: المصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، والظرف.

عين ملابس: "غير" هنا على قطع الإضافة، والتقدير: "غيرٍ"، و"ملابسٍ" صفة لذلك الغير، وهو قيد لإخراج الغير غير الملابس. وذكر صاحب دفع المحنة أن البيت بلفظ: "عين ملابس"، قال: وفي بعض النسخ: "غير" بالراء، وهو سهو من الناظم أو تحريف من الناسخ. قلت: وهذا الإيراد غير وارد مع ما سبق بيانه وتقديره، والله تعالى أعلم.

قلت:

حاصل ما أشار إليه الناظم رحمه الله تعالى هنا: أن الفعل أو ما في معناه، إن أسند إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر، فهو: الحقيقة العقلية. وأما إن أسند إلى ملابسه مما هو ليس له بتأويل، فهو: المجاز العقلي.

وبيان ذلك: أن تعلم أن الإسناد العقلي ينقسم إلى قسمين:

1) حقيقة عقلية.

2) ومجاز عقلي.

وهذا بيان لكل منها.

أولا: الحقيقة العقلية

وهي: "إسناد فعل أو مضاهيه إلى صاحبه"، بمعنى: إسناد الفعل أو شبهه - كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل والظرف - إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر، وإن كان الواقع بخلاف ذلك؛ كالفاعل فيما بني له – أي: أسند إليه-، نحو: "قرأ زيد الكتاب"، والمفعول فيما بني له، نحو: "قُرِئ الكتابُ"، فإن القراءة لزيد، والمقروئية للكتاب.

ومعنى "كونه له": أي إن معناه قائم به، مسند إليه حقيقة. وذلك سواء كان المراد ما هو له بحسب الواقع أو لا، فيتناول ما يطابق الواقع والاعتقاد معا، أو ما لا يطابق شيئا منهما، أو ما يطابق واحدا منهما دون الآخر.

وعليه؛ فإن الحقيقة العقلية تنقسم إلى أربعة أقسام، وهي:

1- ما طابق الواقع والاعتقاد، نحو قول المؤمن: "أنزل الله الغيث".

2- ما طابق الاعتقاد فقط، نحو قول الكافر: "أنزل نَوْءُ كذا المطرَ".

3- ما طابق الواقع فقط، نحو قول المعتزلي لمن لا يعلم حاله: "خلق الله الأفعال".

4- ما لا يطابق واحدا منهما، نحو قولك: "سافر زيد"، والحال أنك تعلم أنه لم يسافر دون الـمُخَاطَب.

ثانيا: المجاز العقلي

وهو: "إسناد الفعل أو شبهه إلى ملابسه مما هو ليس له بتأويل"، وذلك بأن تنصب قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له. فيخرج بهذا نحو قول الكافر: "أنزلَ نوءُ كذا المطر"، فإنه وإن كان إسنادا إلى ما ليس له في الواقع، إلا أنه لا تأول فيه، إذ هو معتقده ومراده.

هذا وللفعل ملابسات عدة، فيلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والظرف والسبب.

وإذا أسند إلى الفاعل والمفعول به، وكان مبنيا للمفعول فإنه حقيقة، وما تبقى مجاز.

مثال إسناده إلى المفعول، وهو مبني للفاعل: قوله تعالى: {فهو في عيشة راضية}، وإنما هي مرضية، إذ تقدير أصل الكلام: "رضي المرء عيشته".

ونحو قولك: "ثوب لابس"، وإنما هو ملبوس.

ومثال الإسناد للفاعل وهو مبني للمفعول: "سيل مُفْعَم" –بفتح العين-، والأصل هو: "مفعِم" بكسرها، لأنه يفعم الوادي؛ أي: يملؤه. والوادي الذي جرى فيه السيل هو المفعَم.

ومثال الإسناد إلى المصدر: "دوامُ الدولةِ عدلُها"، فأسند العدل وهو مصدر "عَدَلَ" إلى غير ما هو له، وهو: دوام الدولة، فالعدل ليس هو دوام الدولة، لكنه سبب في دوامها.

ومثال الإسناد للظرف الزماني: "نهارُ الزاهد صائِمٌ"، فأسند الصوم إلى النهار، وإنما هو مصوم فيه.

ومثال الإسناد للظرف المكاني: "ازدحمت شوارع المدينة"، فأسند الازدحام إلى الشوارع، وإنما هي مُزدحَم فيها.

ومثال الإسناد إلى السبب: "بنى الأمير قلعة"، فأسند البناء إلى الأمير، وإنما هو آمر بذلك، إذ البناء فعل العمال.

ثم إنه يشترط في المجاز العقلي وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، والقرينة هي العلامة أو الأمارة الدالة على المراد لا بالوضع.

وهي تنقسم إلى قسمين:

1- لفظية: نحو كلمة "يعظ" في قولك: "شاهدت بحرا يعظ الناس"، وأنت تريد بالبحر: العالم المتبحر في العلم.

2- معنوية: وهي أنواع:

أ‌- استحالة قيام المسند بالمسند إليه عقلا، نحو: "كرمك أخجلني"، فإن قيام الإخجال بالكرم مستحيل عقلا.

ب‌- استحالة قيام المسند بالمسند إليه عادة، نحو :"فتح الأمير الحصن"، فإن قيام فتح الحصن بالأمير وحده مستحيل عادة، وإن كان ممكنا عقلا.

ت‌- استحالة صدور معناه من المؤمن الموحد، نحو :"مطرنا بنوء كذا".

هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates