المتواتر

السبت، مايو 05، 2012 التسميات:

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

téléchargement (2)

قال الناظم رحمه الله تعالى:

والمُتَوَاتِرُ: الذي رَوَى عَدَدْ *** بغير حَصْرٍ ولهُ العِلْمُ اسْتَنَدْ

قلت:

المتواتر في اللغة: من التواتر، وهو: التتابع: تتابع الأشياء، أو مع فترات وبينها فجوات. قال اللحياني: تواترت الإبل والقطا وكل شيء، إذا جاء بعضه في إثر بعض، ولم تجئ مصطفة. وفي التنزيل: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} [المؤمنون:44].

وأما في اصطلاح المحدثين، فقال الناظم رحمه الله تعالى هو: (الذي روى عدد بغير حصر)؛ بمعنى: أنه الحديث الذي يرويه جماعة من الرواة عن جماعة مثلهم إلى انتهاء السند، وهذه الجماعة غير محصورة العدد، بشرط أن تكون في جميع طبقات السند، وتحيل العادة توطئهم وتوافقهم على الكذب، ويكون مستند إخبارهم الحس.

وعليه فإن الحديث المتواتر يشترط فيه أربعة شروط، وهي:

الشرط الأول: الجمع الكثير؛ أي: العدد الكثير، وكما ذكرنا أنه لا يشترط عدد معين، بل متى حصل العلم بخبر جماعة كان متواترا.

ولا خلاف في أنه لا يكفي في عدده الثلاثة، وكذا الأربعة على الأصح، لاحتياجهم إلى التزكية فيما لو شهدوا بالزنى، فلا يفيد قولهم العلم. وتوقف القاضي الباقلاني في الخمسة، وقال بعض العلماء وهو الاصطرخي: أقله عشرة. وهو الذي اختاره الحافظ الجلال السيوطي، قال:" وهو الذي أختاره، لأنها أول جموع الكثرة وما دونها آحاد"، وعليه بنى كتابه في الحديث المتواتر: "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة".

وقيل: اثنا عشر، وقيل: أربعون، وقيل: سبعون، وقيل: ثلاثمائة وبضعة عشر، إلى غير ذلك، وكل من قال بقول منها نزع إلى الاستشهاد بدليل خارج عن المحل. ولهذا قال الغزالي: "كل ذلك تحكمات فاسدة باردة، لا تناسب الغرض، وتدل عليه، ويكفي تعارض أقوالهم دليلا على فسادها، فإنه لا سبيل لنا إلى حصر عدده".

الشرط الثاني: أن تكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند. وذلك لأن خبر أهل كل عصر خبر مستقل بنفسه، فلا بد فيه من توفر الشروط. ويعبر بعض المحدثين عن هذا الشرط بقوله: "استواء الطرفين والوسط"، ومرادهم ما ذكرنا، وليس مرادهم: أن يكون العدد مستويا في كل طبقة بعينه، بلا زيادة ولا نقصان، بل المراد أن يتوفر في كل طبقة عدد من الرواة يحصل بخبرهم العلم، وينتفي معه احتمال التواطؤ.

الشرط الثالث: أن تحيل العادة تواطئهم واتفاقهم على الكذب. وهناك فرق بين التواطؤ والاتفاق، فالتواطؤ: أن يتفق قوم على اختراع معين بعد المشاورة والتقرير بأن لا يقول أحد خلاف صاحبه، والتوافق: حصول هذا الاختراع من غير مشاورة بينهم ولا اتفاق.

الشرط الرابع: أن يكون مستند إخبارهم الحس؛ أي: من مشاهدة وسماع، لا ما كان مستنده العقل، ككون الواحد نصف الاثنين، وكون العام حادثا ونحو ذاك.

ثم إن الخبر المتواتر ليس من مباحث الإسناد، لأنه لا ينظر فيه إلى عدالة الرواة وضبطهم، ولهذا فهو يحصل بقول الفسقة بل والكفار إذا توافرت الشروط المذكورة. فهو إذن ليس من مباحث المصطلح، إذ علم المصطلح علم وضع ليبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه، ليعمل به أو يترك، من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء، وأما الخبر المتواتر، فإنه يجب العمل به من غير بحث، لأنه مفيد للعلم الضروري غير المتوقف على بحث ونظر كما سيأتي، وإنما يذكره المحدثون – أي الخبر المتواتر- في كتب الاصطلاح استطرادا عند بيان أقسام الخبر من حيث طرقه التي نقل بها.

[إفادة الخبر المتواتر العلم]

وقول الناظم رحمه الله تعالى: (وله العلم اسْتَنَدْ)، بمعنى: أن الخبر المتواتر إذا توفرت فيه الشروط السابقة فإنه يفيد العلم، وهذا متفق عليه إلا شذوذا لا يلتفت إليه.

ثم هم بعد هذا الاتفاق، اختلفوا في العلم المستفاد من الخبر المتواتر؛ هل هو العلم الضروري أو العلم النظري؟

والفرق بين العلم الضروري والنظري، أن الضروري هو: الذي يحصل عند سماعه من غير احتياج إلى نظر لحصوله لمن لا يتأتى منه النظر؛ كالصبي. والعلم النظري هو: الذي يتوقف حصوله على النظر.

فالجمهور على أن الخبر المتواتر مفيد للعلم الضروري، وقال إمام الحرمين وغيره: إنه يفيد العلم النظري فقط.

والتحقيق أن هذا الخلاف لفظي، لأن مراد من قال إنه يفيد العلم النظري: توقفه على مقدمات حاصلة عند السامع، وهي المحققة لكونه متواترا، من كونه خبر جمع، وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب، وكونه عن محسوس. وليس المراد بكونه نظريا: الاحتياج إلى نظر عقب سماعه.

[أقسام الخبر المتواتر]

فائدة:

الخبر المتواتر على قسمين:

1)- متواتر لفظي، وهو: ما اتفقت ألفاظ الرواة فيه، سواء كانت تلك الألفاظ بنفسها، كلمة كلمة، وحرفا حرفا، وذلك ألفاظ القرآن وآيه، أو بألفاظ متقاربة تدل على المعنى المقصود، مثل الأحاديث المتواترة.

ومنها: حديث: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، فإنه حديث متواتر، روي عن نحو مائة من الصحابة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد كلام: "وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط، مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا العدد الخاص.. ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر".

2)- متواتر معنى فقط، وهو: أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة تشترك في أمر ما، يتواتر ذلك القدر المشترك. كما إذا نقل عن حاتم مثلا أنه أعطى جملا، وآخر أنه أعطى فرسا، وآخر أنه أعطى دينارا وهلم جرا، فتواتر القدر المشترك بين أخبارهم، وهو الإعطاء، لأن وجوده مشترك بين جميع هذه القضايا.

ومن الأحاديث المتواترة تواترا معنويا: أحاديث المسح على الخفين، وأحاديث الحوض، ورفع الدين في الدعاء، ونزول عيسى عليه السلام آخر الزمان...

هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates