شرح متن العشماوية: الكلام على مقدمة المؤلف رحمه الله

الثلاثاء، ديسمبر 14، 2010 التسميات:

[ الكَلاَمُ عَلَى البَسْمَلَةِ ]
قال المؤلف رحمه الله : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .
ش: افتتح المصنف رحمه الله تعالى هذا المتن بالبسملة ، اقتداءً بكتاب الله تعالى الذي افتتح بالبسملة ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم :" نبدأ بما بدأ الله به" رواه مالك هكذا مختصرا ، وهو عند مسلم وغيره من حديث جابر مطولا بلفظ :" ابدأ بما بدا الله به".
وأما حديث:" كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بباسم الله فهو أبتر" فلا يصح ، وقيل إنه حديث موضوع.
والباء من "بسم" باء الملابسة ، وهي المصاحبة ، وهي الإلصاق أيضا ، فهذه مترادفات في الدلالة على هذا المعنى . وهي كما في قوله تعالى ( تنبت بالدهن ) وقولهم " بالرفاء والبنين ". وهذا المعنى هو أكثر معاني الباء وأشهرها ، قال سيبويه : الإلصاق لا يفارق الباء ، وإليه ترجع تصاريف معانيها . ولذلك قال صاحب الكشاف " وهذا الوجه أي الملابسة أعرب وأحسن " ، أي أحسن من جعل الباء للآلة ، أعرب أي أدخل في العربية ، وأحسن لما فيه من زيادة التبرك بملابسة جميع أجزاء الفعل لاسمه تعالى.
والاسم:ما دل على مسمى ، فإن أريد به مدلوله كان عين مسماه . وهو مشتق من السمو ، وهو العلو ، لعلوه على مسماه ، وهذا مذهب البصريين .
أو من "وَسَمَ" بمعنى العلامة ، لكونه علامة على مسماه ، وهذا مذهب الكوفيين.
والأول هو الأقوى من جهة التصريف ، والمتعين من جهة موافقته لقواعد أهل السنة.
والله: علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد.
وأصل الكلمة "إلاه"، وهي تطلق على كل معبود ، ثم حذفت الهمزة ، وعوض عنها بالألف واللام ، فأصبحت "الله"، وصار اسما يختص بالمعبود الحق.
والصحيح أنه مشتق ، وقد ضمن الشيخ المحقق الطيب بن كيران رحمه الله تعالى في شرح ألفية السير معان اشتقاقاتها ، فقال:
يا من تحجب عـن إدراك باصـرة         ومن تـرفع في عليـائه شانا

ومن بعرفانه الأبرار قد طربت          ومن هو المفزع المعهود إحسانا

ومن تحيرت الألباب فيه و مـن         إيـاه يعبد أهل الحق إذعانا

ومن به أنفس الكرام قد ولعت         ونحوه سكنت تؤم رضوانا

ومن هو الدائم الباقي المقيم بلا     حد وكل سوى فناؤه بانا

ومن إليه احتياج الخلق قـاطبة         وهو الغني على الإطلاق إيقانا

امنن على مذنــب بتوبة خـلصت        وامنحه منك رضى وهبه غفرانا

وهذا الاسم –أي "الله"-هو أكبر أسمائه تعالى وأجمعها ، وقيل: هو اسم الله الأعظم ، ولذلك لم يسم به غيره ، مصداقا لقولِه تعالى:{ هل تعلم له سميا } [مريم: 65] في أحد التفسيرات ، بمعنى : هل هناك مشابه له في الاسم ؟.
والرحمن الرحيم: اسمان من أسمائه تعالى الحسنى ، دالان على اتصافه سبحانه وتعالى بصفة الرحمة.
والرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء في الدنيا والآخرة ، لأن صيغة "فعلان" تدل على الامتلاء والكثرة .
والرحيم: الذي يختص المؤمنين برحمته في الآخرة.
[ تعريف المقدمة ، والمذهب ، وترجمة الإمام مالك ]
قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( قَدْ سَأَلَني بَعْضُ الأَصْدِقَاءِ أَنْ أَعْمَلَ مُقَدِّمَةً عَلَى مَذْهَبِ الإمَامِ مَالِكِ بنِ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَأَجَبْتُهُ إِلى ذَلِكَ رَاجِيًا لِلثَّوَابِ ) .
(قَدْ سَأَلَني ) من السؤال ، وهو من الأدنى إلى الأعلى ، عكس الطلب ، والالتماس من المتساوي ( بَعْضُ الأَصْدِقَاءِ ) جمع صديق ، وسمي الصديق صديقا لصدقه في المودة ، وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث : في نكبته وغيبته ووفاته. وذكر ابن عبد البر في بهجة المجالس أن جعفر بن محمد قال: لقد عظمت منزلة الصّديق حتى عند أهل النار ، ألم تسمع إلى قوله الله تعالى حاكيا عنهم : " فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم " . ( أَنْ أَعْمَلَ ) ثاني معمولي سأل ( مُقَدِّمَةً ) معمول أعمل ، وهي بميم مضمومة وقاف مفتوحة ودال مهملة مكسورة وميم . والمراد بها هنا: طائِفةٌ من العلم تُقَدَّمُ عليه ليتمرَّن بها المبتدئ على الخوض فيما سواها . كائنة تلك المقدمة ( عَلَى مَذْهَبِ ) مصدر ميمي ، وهو عند الفقهاء كما في شرح الفيشي : حقيقةٌ عُرفية فيما ذهب إليه إمام من الأيمة المجتهدين في الأحكام ، ويطلق عند المتأخرين على ما به الفتوى ، من إطلاق الشيء على جزئه الأهم عند الفقيه المقلِّد ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « الحَجُّ عَرَفَة ». واختار أن يكون ذلك المذهب مذهب ( الإمَامِ مَالِكِ بنِ أنَسٍ ) ابن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة ، على الحالِّ بها أفضل الصلاة والسلام ، المُتَأَوَّلِ فيه قول أفضل الأنام : « يَخْرُجُ نَاسٌ من قِبَلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب في طلب العِلْمِ » ، وفي لفظ : « يُوشِكُ أن يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الإِبلِ يطلبون العلم فلاَ يَجِدُونَ أَعْلَم » ، وفي لفظ : « عَالِماً أعلم من عالم المدينة » كما حمله عليه الإمام سفيان بن عيينة وغيره من الأيمة الأعلام . وهذه معجزة من معجزاته العظام . وقد نظم السيوطي رحمه الله معناه ، فقال :
قد قال نبي الهدى حديثا *** من خصَّه الله بالسكينة
يخرج من شرقها وغرب *** من طالبي الحكمة المبينة
فلا يروا عالما أعلم من***  أعلم من عالم المدينة
وهو أنس ابن مالك بن عامر الأصبَحي – بقتح الباء - نسبةً إلى ذي أصبح ، بطن من حمير حلف من قريش في بني تميم ، فهو مولى حلف لا مولى عتاقة . هذا الذي عليه الجمهور. ابن عمرو بن الحارث بن غيمان - بغين معجمة فمثناة تحتية - .
وفضائله رضي الله عنه مشهورة ، وقد أفردت المصنفات في ترجمته .
ثم ذكر الوجه الذي أجاب السائل لأجله ، فقال ( رَاجِيًا ) أي طامعا فيما عند الله تعالى مُدَّخِراً ( لِلثَّوَابِ ) في دار الآخرة .
هذا والله تعالى أعلم.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates