شرح مقدمة الناظم رحمه الله

الخميس، ديسمبر 23، 2010 التسميات:

بسم الله الرحمن الرحيم

147

الحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

{ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا }.

{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي }.

وبعد:

فهذا ما تمس إليه الحاجة من تقييد لطيف على منظومة ( الْمَوْرِثِ لِمُشْكِلِ الْمُثَلَّثِ ) للشيخ عبد العزيز المكناسي المغربي رحمه الله تعالى ، يحل ألفاظها، ويشكف مشكلها، ويميط اللثام عن مخدرات الحسن من معانيها، يكون كالشرح لبعض معانيه ، وكالتشييد لما قد يخفى أو يحتجب من مبانيه ، لينبه العاكف عليه على بعض أسراره ، ويزيده بصيرة في اجتناء ثماره، سالكا فيه سبيل الإيجاز والاختصار، مراعيا عدم الملالة بالإكثار، وسميته : " حُسْنُ التَّحَدُّثِ بِحَلِّ الْمَوْرِثِ لِمُشْكِلِ الْمُثَلَّثِ "، والله سبحانه وتعالى المستعان، وعليه الثكلان.

شرح مقدمة الناظم

قال رحمه الله تعالى :

1-حَمْدًا لِبَارِئِ الأَنَامِ

ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامْ

2-مَا نَاحَ فِي دَوْحٍ حَمَامْ

عَلَى الرَّسُولِ العَرَبِي

قلت :

افتتح الناظم رحمه الله هذا النظم بالحمد، لقوله صلى الله عليه وسلم : « كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم »[1] أي مطقوع البركة .

وقد استحب العلماء البداءة بالحمد في افتتاح مصنفاتهم. وقال النووي رحمه الله تعالى :" قال العلماء: يستحب البداءة بالحمد لله لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب، وبين يدي سائر الأمور المهمة. قال الشافعي رضي الله عنه:أحب أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه : حمد الله تعالى، والثناء عليه سبحانه وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"[2].

أما معنى الحمد، فقال العلامة أبو مجمد عبد الحق بن عطية المحاربي الأندلسي رحمه الله تعالى:"الحمد معناه:الثناء الكامل،وهو أعم من الشكر ،لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدي إلى الشاكر،وشكره حمد ما ،والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئا،فالحامد من الناس قسمان:الشاكر والمثني بالصفات.وذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد،وذلك غير مرضي.وحكي عن بعض الناس أنه قال:الشكر ثناء على الله بأفعاله وأنعامه،والحمد ثناء بأوصافه.

قال القاضي أبو محمد: وهذا أصح معنى من أنهما بمعنى واحد"[3].

ثم ثنى الناظم رحمه الله تعالى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم امتثالا لقوله تعالى:{ ورفعنا لك ذكرك} [الشرح ، الآية :4] ، أي أنه لا يذكر سبحانه إلا ويقرن بذكره صلى الله عليه وآله وسلم معه ، وفي هذا قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

أَغَرٌّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَةِ خَاتَمٌ

مِن اللَّهِ مَشْهُورٌ يَلُوحُ وَيُشْهَدُ

وَضَمَّ الإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ مَع اسْمِهِ

إِذَا قَالَ فِي الخَمْسِ المُؤَذِّنُ أَشْهَدُ

وأما حديث أبي هريرة مرفوعا:"كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة عليَّ فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة".فلا يصح،أخرجه الرافعي في (( التدوين في أخيار قزوين )) [4]،والخليلي في (( الإرشاد))[5] ، ومن طريقه الرُهاوي[6] في (( الأربعين ))،وقال:"غريب،تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي،وهو ضعيف جدا،لا يعتد بروايته ولا بزيادته"[7].

ومعنى الصلاة على النبي : الرحمة المقرونة بالتعظيم .

قال العلامة الحليمي رحمه الله تعالى :" أما الصلاة في اللسان فهي التعظيم...فإذا قلنا:" اللهم صل على محمد " ، فإنما نريد به: اللهم عظم محمدا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجرك ، ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود ، وتقديمه على كافة المقربين في اليوم المشهود"[8].

وقرن الناظم رحمه الله تعالى الصلاة مع السلام لما قاله الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم [9]:"وقد نص العلماء على كراهة الاقتصار على الصلاة من غير تسليم".

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في (( تذكرة الحفاظ ))[10] في ترجمة الحافظ الزاهد حمزة بن محمد الكِناني المصري ، المتوفي رحمه الله تعالى سنة 357 هـ :"قال ابن منده:سمعت حمزة بن محمد الحافظ يقول : كنت أكتب الحديث ولا أكتب:وسلم ، فرأيت النبي ص في المنام فقال لي : أما تختم الصلاة علي في كتابك ؟!".

وقال العلامة الحطاب الرعيني المالكي رحمه الله تعالى في (( مواهب الجليل ))[11] : " مسألة : شاع في كثير من كلام العلماء كراهة إفراد الصلاة عن السلام وعكسه ، وممن صرح بالكراهة : النووي، قال السخاوي في القول البديع : وتوقف شيخنا- يعني ابن حجر – في إطلاق الكراهة ، وقال : فيه نظر ، نعم يكره أن يفرد الصلاة ولا يسلم أصلا ، أما لو صلى في وقت وسلم في وقت آخر فإنه يكون ممتثلا. اهـ . قال: ويتأيد بما في خطبة مسلم والتنبيه وغيرهما من مصنفات أئمة السنة من الاقتصار على الصلاة فقط ، ..وذكر في الخاتمة منامات تقتضي أنه لا ينبغي إفراد الصلاة على التسليم ، ولم أقف لأحد من المالكية في ذلك على كلام إلا ما رأيته في آخر نسخة من المسائل الملفوظة أنه يكره ذلك ولم يعزه ، وقال الشيخ زروق في شرح الوغليسية : كره جمهور المحدثين إفراد الصلاة عن التسليم وعكسه " انتهى.

وقوله (مَا نَاحَ ) : أي ارتفع صوته.

وقوله ( دَوْحٍ حَمَامْ ) : جمع دوحة، وهي الشجر العظام. والحمام الطائر المعروف، وسيأتي إن شاء الله.

وقوله (عَلَى الرَّسُولِ العَرَبِي) أي سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما لم يسمه استغناء بالوصف عن التصريح باسمه تعظيما له وإجلالا، على حد قول ابن زيدون :

لسنا نسميك إجلالا وتكرمة

وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا

إذا انفردت وما شوركت في صفة

فحسنا الوصف إيضاحا وتبيينا

قال الناظم رحمه الله تعالى :

3-وَآلِهِ وَصَحْبِهِ

وَمَنْ تَلَا مِنْ حِزْبِهِ

4-سَبِيلَهُ فِي حُبِّهِ

عَلَى مَمَرِّ الحِقَبِ

قلت:

آله : اسم جمع ، لا واحد له من لفظه ، واختلف في ألفه ، أمنقلبة عن هاء أم واو؟ فقال سيبويه : إنها منقلبة عن هاء ، وأصله عنده: أهل . وقال الكسائي : إنها منقلبة عن واو ، وأصله عنده:أول ، من آل إليه في الدين يؤول. ويظهر أثر القولين في التصغير ، فمن قال : أصله أهل ، قال في تصغيره: أهيل ، ومن قال : أصله أول ، قال في تصغيره : أويل ، وكلاهما مسموع ، غير أن الأول أشهر وأكثر[12].

وقد اختلفوا في معنى الآل على أقوال ، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما روته عنه زوجه أم المؤمنين أمنا أم سلمة رضي الله عنها أنه لما نزل قوله تعالى :{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }[الأحزاب/33] أرسل صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال:« اللهم هؤلاء أهل بيتي ». فقالت أم سلمة : يا رسول الله ما أنا من أهل البيت ؟ ، قال:« إنك إلى خير » . رواه أحمد[13] وغيره ، وهو عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها[14].

وليس بعد البيان النبوي بيان .

وأما حديث:" آل محمد كل تقي " فلا يصح ، وقال الحافظ البيهقي رحمه الله :" هو حديث لا يحل الاحتجاج به"[15] . وقال الحافظ أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله :" باطل ، افتراه النواصب أعداء آل البيت النبوي ، أو ذوو الأغراض الموالون لأعدائهم من الحكام"[16].

وانظر إن شئت كتابي " الدر النضيد شرح جوهرة التوحيد " ففيه مزيد بيان .

صحبه: اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي ، وإن كان لَه واحد من لفظه ، كركب اسم جمع لراكب ، وهو اختيار سيبويه . وقيل:جمع لصاحب بمعنى صحابي ، وهو قول الأخفش ، وضُعِّفَ بأن " فَعْلاً "لا يكون جمعا لفاعل قياسا مطردا .

والفرق بين الجمع واسم الجمع : أن اسم الجمع ما دل على مجموع الآحاد دلالة المركب على جملة أجزائه ، والجمع ما دل على أفراده دلالة تكرار الواحد بالعطف.

الحقب : بكسر الحاء وفتح القاف: السنون، والواحد : حِقْبَة.

قال الناظم رحمه الله تعالى :

5-وَبَعْدُ فَالقَصْدُ بِمَا

أَرَدْتُهُ شَرْحاً لِمَا

6-قَدْ كَانَ قَبْلُ نُظِمَا

مُثَلَثَّا لِقُطْرُبِ

7-مُقَدَّمًا فَتْحًا عَلَى

كَسْرٍ فَضَمٍّ مُسْجَلَا

8-وَمَا كَذَا عَلَى الوِلَا

نَظْمًا عَلَى التَّرَتُّبِ

9-سَمَّيْتُهُ بِالمَوْرِثِ

لِمُشْكِلِ المُثَلُّثِ

10-مِنْ غَيْرِ مَا تَرَيُّثِ

فَفُزْ بِنَيْلِ الأرَبِ

قلت :

حاصل ما أشار إليه الناظم رحمه الله تعالى أنه قصد بنظمه شرح نظم مثلث قطرب، والذي كان ألفه الشيخ سديد الدين المهلبي رحمه الله ، وأورد الأسماء المثلثة بتقديم المفتوح منها ثم المكسور ثم المضموم. وقد سمى نظمه هذا بـ " المَوْرِثِ لِمُشْكِلِ المُثَلُّثِ " .

وهذا أوان الشروع في المقصود، والله الموفق، لا رب سواه.


[1]- الحديث رواه أبو داود (4/261،كتاب الأدب،باب الهدي في الكلام،حديث رقم:4840) وابن ماجه(1/610،كتاب النكاح،باب خطبة النكاح،حديث رقم:1894) والدارقطني(كتاب الصلاة،1/22.) والبيهقي(3/208،كتاب الجمعة، باب ما يستدل به على وجوب التحميد في خطبة الجمعة) في سننهم والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص:345) وغيرهم ، قال الحافظ في الفتح (8/220) : في إسناده مقال ، وصححه أبو عوانة وابن حبان حيث أورده في صحيحه (1/173) والشرف الدمياطي والتاج السبكي ، وحسنه ابن الصلاح والنووي وغيرهما. وقال الشيخ العجلوني رحمه الله تعالى في كشف الخفاء (2/119) :"والحديث حسن".

وأما حديث البسملة المشهور : فقد وهَّاهُ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح (8/220) ، وكذا تبعه المحدث الحافظ أبو العلاء العراقي الفاسي ، وولده المحدث أبو زيد عبد الرحمن بن إدريس العراقي رحمهم الله تعالى ، وجزم الحافظ أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى أنه موضوع ، وأفرد في بيان ذلك جزءاً سماه (( الاستعاذة والحسبلة ممن صحح حديث البسملة )).

وانظر : إن شئت كتابي (( المفاتيح الربانية بحل المنظومة البيقونية )) .

[2]- الأذكار،ص:103.

[3]- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز،لابن عطية،1/66.

[4]- التدوين في أخبار قزوين 2/228.

[5]- الإرشاد في معرفة المحدثين 1/449.

[6]- قال الشيخ المناوي في (( فيض القدير )) 5/14:" الرُهاوي بضم الراء كما في الصحاح نسبة إلى رُها بالضم حي من مذحج. وذكر ابن عبد الهادي عن عبد الغني ابن سعيد المصري أنه بالفتح".

[7]- انظر:الإستعاذة والحسبلة،ص:5.

[8]- انظر: شعب الإيمان للبيهقي (2/219).

[9]- شرح مسلم (1/48 ).

[10]- تذكرة الحفاظ (3/933).

[11] - مواهب الجليل (1/28).

[12]- انظر: التصريح شرح التوضيح للعلامة الأزهري (1/11-12).

[13] - المسند (6/292).

[14] - صحيح مسلم (4/1883، كتاب الفضائل، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ح: 2424).

[15]- نقلا عن: المداوي لعلل المناوي لأحمد بن الصديق (1/46).

[16]- المصدر السابق .

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates