كتاب الطهارة: نواقض الوضوء

الخميس، ديسمبر 16، 2010 التسميات:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله
قال المصنف رحمه الله تعالى: ( كتاب الطهارة )
ش:  الطهارة بفتح الطاء ، وأما بضمها فهو: ما يتطهر به ، وبالكسر: ما يضاف إلى الماء من صابون ونحوه . وهي لغة : النظافة من الأوساخ الحسية والمعنوية، واصطلاحا : "صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث" .
والمراد بقولنا صفة حكمية : أي يحكم العقل بثبوتها وحصولها في نفسها .
ويستباح: أي يباح، فالسين والتاء للتوكيد لا للطلب .
وما: كناية عن فعل ، أي يباح بها فعل ، كالصلاة والطواف ومس المصحف.
منعه: أي منع منه الحدث الأصغر والأكبر ، أو منع منه حكم الخبث ، والخبث : عين النجاسة، والمانع من التلبس بالفعل المطلوب حكمها المترتب عليها عند إصابتها الشيء الطاهر؛ وهو أثرها الحكمي الذي حكم الشرع بأنه مانع . أفاده العلامة سيدي الدردير في الشرح الصغير على أقرب المسالك .
وهي على قسمين : حدثية وخبثية .
قال المصنف رحمه الله تعالى: ( باب نواقض الوضوء )
ش: عبر المصنف رحمه الله بنواقض الوضوء كابن الحاجب والشيخ خليل ، وعبر في الرسالة بموجبات الوضوء. قال في التوضيح : الموجب سابق والناقض لاحق ، فالحدث السابق على الوضوء الأول موجب لا ناقض ، وما بعده ناقض لما قبله موجب لما بعده ، فالموجب أعم ، فالتعبير به أتم .
وأجاب الشيخ الإمام أبو عبد الله المقري رحمه الله بأن قال: الموجب هو القيام إلى الصلاة للآية ، حتى إنا لو قدرنا انخراق العادة بوجود شخص لم يحدث إلى أن أراد الصلاة فإنا نوجب عليه الوضوء ، وعلى هذا التقدير يكون الحدث ناقضا لا موجبا .. لا يقال: الآية متأولة بالقيام من النوم أو محدثين ، لأنا نقول : لم يتعذر الظاهر فنتكلف التأويل ، على أن الموجب على التقدير القيام المقيد لا الحدث المقيد هو به ، والله أعلم .
والباب : اسم لنوع من مسائل الفن الموضوع فيه الكتاب ، وهو هنا الفقه .
والنواقض : جمع ناقض ، وهو في عرف الفقهاء ينقسم إلى حدث وسبب وملحق به .
والوضوء في وضعه اللغوي - كما يقول الجوهري في الصحاح - : من الوضاءة ، وهي الحسن والنظافة ، تقول منه : وَضُؤَ أي صار وضيئا ، وتوضأت للصلاة ، ولا يقال : توضيْت ، وبعضهم يقوله . والوضوء بالفتح : الماء ، وبالضم الفعل ". وسمي وضوء الصلاة وضوءاً ، لأنه ينظف المتوضئ ويُحَسِّنُهُ ،ولأنه يكسبُ وجهَهُ نورا ووضاءة في الدنيا ويوم القيامة.
والمراد به شرعا: تطهير أطراف مخصوصة بكيفية مخصوصة، وخُصَّت دون سائر البدن لأنها مباشرة للخطايا غالبا ، وللمشقَّة في تطهير البدن لتكرره ، ولأنها محيطةٌ بالبدن ، فكأنه طَهَّرَ جميعه .
والوضوء من خصائص هذه الأمة ، على ما ذكره الحافظ الجلال السيوطي في أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب ، وقيل : ليس من خصائصها ، ورجحه العلامة الصالحي تلميذ المصنف رحمه الله في سيرته ، وقال: " الصحيح بخلاف ما صححه الشيخ في الصغرى، وخلاف احتمال الحافظ، ففي البخاري في قصة سارة مع الملك الذي أعطاها هاجر، أن سارة لما هم الملك بأن يدنو منها، قامت تتوضأ، وفي قصة جريج فيه أيضا أنه قام فتوضأ ثم كلم الغلام" انتهى . [ سبل الهدى والرشاد (10/345)].
وعليه فيكون الذي خصت به الأمة إما الكيفية المخصوصة أو التحجيل والغرة ، كما قال ابن حجر رحمه الله [ انظر: السيرة الحلبية (1/193)، ومواهب الجليل للحطاب (1/181)].
[ أقسام نواقض الوضوء ]:
قال المصنف رحمه الله تعالى: ( اعْلَمْ أَنَّ نَوَاقِضَ الوُضُوْءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحْدَاثٍ وَأَسْبَابِ. فَأَمَّا الأَحْدَاثُ؛ فَخَمْسَةٌ، ثَلاَثَةٌ مِن القُبُلِ وَهِيَ: الْمَذْيُ والوَدْيُ والبَوْلُ . وَاثْنَانِ مِنَ الدُّبُرِ وَهُمَا: الغَائِطُ ، والرِّيْحُ  ).
ش: حاصل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أن نواقض الوضوء على قسمين:  أحداث وأسباب.
والأحداث جمع حدث؛ والمراد به هنا: الخارج المعتاد من المخرج المعتاد على سبيل الصحة والاعتياد.
فقولنا: الخارج جنس، ويشمل: ثلاثة أشياء تخرج من القبل، وهي:
(1) المذي: بذال معجمة ساكنة، والمراد به: ماء أبيض رقيق ويجب منه غسل جميع الذكر بِنِيَّةٍ، لحديث علي عليه السلام قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأله، فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ" متفق عليه.
(2) الودي: وهو ماء أبيض خاثر يخرح بأثر البول، يجب منه ما يجب من البول؛ قياسا عليه، ولقول ابن عباس رضي الله عنه: هو المني والمذي والودي، فأما المذي والودي فإنه يغسل ذكره ويتوضأ، وأما المني ففيه الغسل، رواه الطحاوي والبيهقي، ولقول ابن مسعود رضي الله عنه: في الودي الوضوء، رواه البيهقي.
(3) البول: وهو معروف.
واثنان يخرجان من الدبر، وهما:
(4) الغائط و (5) الريح، وهما معروفان. قال تعالى { أو جاء أحد منكم من الغائط } [النساء:43]، وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا". متفق عليه.
وقولنا: الخارج المعتاد: يخرج به الخارج غير المعتاد، كالحصى والدود، فإنهما لا ينقضان ولو ببلة ، والدم غير دم الحيض والنفاس ، فإنهما موجبان للحدث الأكبر ، ويلزم منه غسل جميع البدن كما سيأتي ، ودم الاستحاضة ، فإن لازم أكثر الزمان استحب منه الوضوء .
والمراد بقولنا: المخرج المعتاد: القُبُلُ والدُّبُرُ والثُّقْبَةُ التي تحت المعدة أي السُّرَّة إن انْسَدَّ المخرجان .
وبه يخرج: ما خرج من غيره كالحلق، أو جائفة تحت المعدة ولم ينسد، أو فوقها انسدَّ أم لا على أحد القولين ، والآخر أنه كالمعتاد . وسلس البول إن لازم أكثر الزمان استحب منه الوضوء . فإن فارق أكثر الزمان فهو ناقض كسلس المذي إن قدر على دفعه .
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وَأَمَّا أَسْبَابُ الأَحْدَاثِ : فَالنَّوْمُ ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : طَوِيْلٌ ثَقِيْلٌ يَنْقُضُ الوُضُوْءَ ، قَصِيْرٌ ثَقِيْلٌ يَنْقُضُ الوُضُوْءَ ، قَصِيْرٌ خَفِيْفٌ لاَ يَنْقُضُ الوُضُوءَ ، طَوِيْلٌ خَفِيْفٌ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الوُضُوءُ.
وَمِن الأَسْبَابِ التي تَنْقُضُ الوُضُوْءَ : زَوَالُ العَقْلِ بِجُنُوْنِ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ .
وَيَنْتَقِضُ الوُضُوءُ بِالرِّدَّةِ ، وَبِالشَّكِّ في الحَدَثِ، وَبِمَسِّ الذَّكَرِ الْمتَّصِلِ بِبَاطِنِ الكَفِّ، أَوْ بِبَاطِنِ الأَصَابِعِ ، أَوْ بِجَنْبَيْهِمَا ، وَلَوْ بِأَصْبُعٍ زَائِدٍ إنْ حَسَّ.
وَبِاللَّمْسِ ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : إنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ وَوَجَدَهَا، فَعَلَيْهِ الوُضُوْءُ ، وَإِنْ وَجَدَهَا وَلَم يَقْصِدْهَا ، فَعَلَيْهِ الوُضُوْءُ ، وَإِنْ قَصَدَهَا وَلَم يَجِدْهَا ، فَعَلَيْهِ الوُضُوْءُ ، وَإِنْ لَم يَقْصِدْ اللَّذَّةَ وَلَم يَجِدْهَا، فَلاَ وُضُوْءَ عَلَيْهِ).
ش:  بعدما ذكر المصنف رحمه الله تعالى القسم الأول من قسيمي نواقض الوضوء؛ ذكر هنا القسم الثاني، والذي هو أسباب الأحداث، وذكر فيها:
(1) النوم: والمراد به هنا الثقيل دون الخفيف، سواء طال أم قصر، فمتى كان النوم ثقيلا نقض ، كان النائم مضطجعا أو ساجدا أو جالسا أو قائما ، وإن كان غير ثقيل فلا ينقض على أي حال، وهذه طريقة اللخمي . واعتبر بعضهم صفة النوم مع الثقل وصفة النائم مع غيره ، فقال : وأما النوم الثقيل فيجب منه الوضوء على أي حال ، وأما غير الثقيل فيجب الوضوء في الاضطجاع والسجود ، ولا يجب في القيام والجلوس . وهذه طريقة عبد الحق وغيره ، كما قال في التوضيح . وطريقة اللخمي – أي اعتبار صفة النوم من غير اعتبار بهيئة النائم- هي الأشهر . والله أعلم .
والذي يدل على المشهور حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الأخيرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون". رواه مسلم وغيره. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله" رواه أحمد وأبو والترمذي وغيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وضعفوه.
(2) زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر. قياسا على النوم، لأن العلة في النوم هي الغلبة على العقل، وهي أظهر في زواله بما ذكر، لأن النائم قد يتحرك الشيء فينتبه، والمغلوب على عقله بجنون أو إغماء يحرك فلا يتحرك، والله أعلم. والظاهر أنه لا يعتبر في زوال العقل بما ذكر ما يعتبر في النوم من الثقل؛ بل الحق النقض مطلقا؛ كما استظهره ابن عبد السلام، وهو ظاهر المدونة والرسالة، وقال ابن بشير: والقليل في ذلك كالكثير.
(3) الردة؛ لأن الردة محبطة لعمل العبد، كما قال تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مُرِيداً غيره {لئن أشركت ليحبطن عملك } [الزمر:65 ] ، ومن جملته الوضوء. قال بعضهم : لا ينبغي أن تعدَّ الرِّدَّة في نواقض الوضوء ؛ أنها تحبط جميع الأعمال لا خصوص الوضوء ، كما قالوا: لا ينبغي أن يعد من شروط الشيء إلا ما كان خاصا به فكذا ما هنا . قلتُ: ولعل المصنف رحمه الله تعالى إنما نص على ذكرها هنا ، لأن كتابه هذا ألفه للمبتدئين ، فناسب هذا البسط مراعاة لحالهم ، والله تعالى أعلم .
(4) الشك في الحدث: ويكون ناقضا في ثلاثة صور :
الأولى : أن يشك بعد علمه بتقدم طهره ؛ هل حصل منه ناقض من حدث أو سبب - أم لا ؟ .
الثانية : عكسها ؛ وهو أن يشك بعد علم حدثه ؛ هل حصل منه وضوء أم لا ؟ .
الثالثة : علم كلا من الطهر والحدث ، وشكَّ في السابق منهما .
وكون الشك في الحدث ناقضا للوضوء هو المشهور في المذهب ، وقيل : لا ينتقض الوضوء بذلك ، بل يستحب مراعاة لمن يقول بوجوبه . والأول نظر إلى أن الذمة عامرة فلا تبرأ إلا بيقين ، والثاني : نظر إلى استصحاب ما كان فلا يرتفع إلا بيقين .
(5) مس الذكر: أي ذكر نفسه، بشرط أن يمسه على غير حائل بباطن الكف وباطن الأصابع، ولو بأصبع زائد إن حس. قال الشيخ ميارة رحمه الله تعالى:"" اعلم أن الآثار اختلفت في إيجاب الوضوء في مس الذكر ، ففي بعضها :" من مس ذكره فليتوضأ " ، وفي بعضها : " من أفضى بيده إلى فرجه من غير حجاب فعليه الوضوء " ، وفي بعضها أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن مس الرجل ذكره بعد الوضوء ، فقال : "وهل هو إلا بضعة منك " . ورأى المالكية الجمع بينها بأن ينتقض الوضوء بمسه وعلى صفة دون صفة . وفي تعيين تلك الصفة لهم أقوال :
أحدها : اعتبار اللذة ، فإن وجد اللذة بمسه انتقض . قاله البغداديون من أهل المذهب .
الثاني : مراعاة العمد ، فينتقض معه دون النسيان ، وهو أحد أقوال مالك وقول سحنون .
الثالث : مراعاة بطن الكف ، فإن مسه بغيره لم ينتقض . قاله أشهب .
الرابع : مذهب المدونة مراعاة بطن الكف فإن مسه بغير ذلك لم ينتقض .
الخامس: كالرابع وزيادة باطن الذراع ، نقله ابن زرقون وابن العربي عن الوقار .
السادس : قول ابن نافع : ينتقض بمس الكمرة .
والمشهور : مذهب المدونة " انتهى [ الدر الثمين (1/116) ] .
وأما مس ذكر الغير؛ فإنه يجري على حكم اللمس ، فلو مست المرأة ذكر زوجها تلذذا لوجب عليها الوضوء ، ولغير شهوة من مرض ونحوه فلا ينقض . وكذلك الملموس ذكرا إن التذ فعليه الوضوء ، وإلا فلا . ولذا قال القرافي : لا ينتقض وضوء الخاتن بمس ذكر المختون . قاله ميارة .
وأما مس المرأة فرجها؛ فاختلف فيه على قولين، واستظهر الشيخ خليل في التوضيح النقض مطلقا، ويدل عليه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ". رواه أحمد وغيره، وصححه البخاري وغيره.
(6) اللمس أو الملامسة: والمراد بها: لمس أجنبية يلتذ بها، وكذا إن قصد الفاسق التللذذ بلمس محرمة، أو أمرد، ولو كان الملموس ظفرا أو شعرا، أو من فوق حائل خفيف. وهو كما قال المصنف رحمه الله تعالى على أربعة أقسام:
الأول: أن يقصد اللذة ويجدها، فهذا ينتقض وضوؤه اتفاقا .
الثاني: أن يجد اللذة وإن لم يقصدها، فهذا ينتقض وضوؤه أيضا اتفاقا كما نقله البعض، وحكى التلمساني قولا بعدم النقض.
الثالث: أن يقصد اللذة ولم يجدها، فهذا ينتقض وضوؤه على المنصوص .
الرابع: أن لا يقصد اللذة ولا يجدها، فهذا لا ينتقض وضوؤه.
وهذا التفصيل فيما عدا القبلة في الفم ، وأما هي فالنقض مطلقا ، وإن بكره أو استغفال ، لا لوداع أو رحمة.
هذا والله تعالى أعلم.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates