شرح مقدمة الناظم رحمه الله

الأربعاء، ديسمبر 22، 2010 التسميات:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

578

(قال الناظم رحمه الله تعالى):

بسم الله الرحمن الرحيم

الناظم: هو شيخ الإسلام وبركة الأنام الشيخ ولي الله سيدي أبو البركات أحمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي، الشهير بالدردير، الإمام الفقيه صاحب المؤلفات الكثيرة النافعة والتصنيفات الشهيرة، ولد سنة 1127هـ، وحفظ القرآن وجوَّده , وحُبِّب إليه طلب العلم, فورد الجامع الأزهر، وحضر دروس العلماء وسمع الحديث المسلسل بالأَوَّلِية عن الشيخ محمد الدفراوي بشرطه , وعلوم الحديث النبوي الشريف عن الشيخ أحمد الصباغ .. وتفقه علَى الشيخ علِيِّ الصعيدي العَدَوِيّ , ولازَمه في كل دروسه حتى ظهرت نجابته ونباهته .. وعلى شمس الدين الحفني, وبه تخرَّج في طريق القوم , فتلقن الذكر وطريقة الخلوتية من الشيخ الحفني وصار من أكبر خلفائه ، وأخلَصَ في حب شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والفقه والديانة، وقد كان صوفيا نقيا سنيا زاهدا , قوّالا للحق , زجّارا للخلق عن المنكرات والمعاصي , لا يهاب واليا ولا سلطانا ولا وجيها من الناس ..من مؤلفاته: شرح مختصر خليل, الذي هو عمدة الفقه المالكي، و"أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك" وشرح عليه سماه: الشرح الصغير .. وهو عمدة في الفقه المالكي. وتحفة الإخوان في آداب أهل العرفان في التصوف السني الصحيح، ورسالة في المعاني والبيان، وشرح على الشمائل المحمدية ، والمورد البارق في الصلاة على أفضل الخلائق، وغيرها كثير. توفي رحمه الله سنة 1201هـ.
وافتتح رحمه الله تعالى هذا النظم بالبسملة، اقتداءً بكتاب الله تعالى الذي افتتح بالبسملة، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم :" نبدأ بما بدأ الله به " رواه مالك هكذا مختصرا، وهو عند مسلم وغيره من حديث جابر مطولا بلفظ : " ابدأ بما بدا الله به ".

وأما حديث: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بباسم الله فهو أبتر" فلا يصح.

فإن قيل: هذا النظم شعر، وقد قال الزهري رحمه الله : "مضت السُّنَّةُ أن لا يكتب في الشعر: بسم الله الرحمن الرحيم "، ونحوه عن الشعبي حاكيا الإجماع.

أُجِيب: بأن لا إجماع، وقد أجاز ذلك بعض السلف، فقال سعيد بن جبير رحمه الله : "لا يصلح كتاب إلا أوله : بسم الله الرحمن الرحيم؛ وإن كان شعرا"، نقله عنه الخطيب البغدادي في " الجامع لآداب الراوي والسامع"، وقال: " تابعه على ذلك أكثر المتأخرين، وهو الذي نختاره ونستحبه".

وجواب آخر للصاوي رحمه الله في شرحه على الجوهرة: "إن الشعر الذي لا يُبْدَأُ بالبسملة هو ما احتوى على مدح من لا يجوز مدحه، أو ذم من لا يجوز ذمه. وأما هذا الكتاب فموضوعه علم التوحيد، وهو أشرف العلوم، فكان من الأمور ذوات البال قطعا".

والباء من "بسم": باء الملابسة، وهي المصاحبة ، وهي الإلصاق أيضا ، فهذه مترادفات في الدلالة على هذا المعنى . وهي كما في قوله تعالى: " تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ "، وقولهم " بالرفاء والبنين ". وهذا المعنى هو أكثر معاني الباء وأشهرها ، قال سيبويه: الإلصاق لا يفارق الباء ، وإليه ترجع تصاريف معانيها . ولذلك قال صاحب "الكشاف": "وهذا الوجه -أي الملابسة- أعرب وأحسن"؛ أي: أحسن من جعل الباء للآلة ، وأعرب؛ أي: أدخل في العربية، وأحسن؛ لما فيه من زيادة التبرك بملابسة جميع أجزاء الفعل لاسمه تعالى".

والاسم:ما دل على مسمّى، فإن أريد به مدلوله كان عين مسماه .

وهو مشتق من السمو، وهو: العلو؛ لعلوِّه على مسماه، وهذا مذهب البصريين .

أو من "وَسَمَ" بمعنى العلامة؛ لكونه علامة على مسماه، وهذا مذهب الكوفيين.

والأول هو الأقوى من جهة التصريف، والمتعين من جهة موافقته لقواعد أهل السنة.

أما من جهة التصريف؛ فإنه يصغَّر على " سمي " ، ويجمع على " أسماء "، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها .

وأما من جهة موافقته لقواعد أهل السنة؛ فلما هو مقرر عندهم؛ أن الله مسمى بأسمائه الحسنى سبحانه قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وبعد فنائهم، وهو المذهب الحق.

و"الله": عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد.

و"الرحمن الرحيم": اسمان من أسمائه تعالى الحسنى، دالان على اتصافه سبحانه وتعالى بصفة الرحمة.

والرحمن: الذي وسعت رحمته كل شيء في الدنيا والآخرة ، لأن صيغة "فعلان" تدل على الامتلاء والكثرة .

والرحيم: الذي يختص المؤمنين برحمته في الآخرة.

( قال الناظم رحمه الله ) :

يَقُولُ رَاجِي رَحْمَةِ رَبِّهِ القَدِيرِ

أَي أَحْمَدُ المَشْهُورُ بِالدَّرْدِيرِ

الحَمْدُ للهِ العَلِيّ الوَاحِد

العَالِمِ الفَرْدِ الغَنِيِّ المَاجِد

وأفضلُ الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيمِ

علَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى الكَرِيمِ

وآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَطْهَار

لاسِيما رَفِيقَهُ فِي الغَارِ

وهَذِه عَقِيدَةٌ سَنِيَّة

سَمَّيْتُهَا الخَرِيدَةَ البَهِيَّة

لَطِيفَةٌ صَغِيرَةٌ في الحَجْمِ

لِكِنَّها كَبِيرَةٌ فِي العِلْمِ

تَكْفِيكَ عِلْماً إِنْ تُرِدْ أَنْ تَكْتَفِي

لأَنَّها بِزُبْدَةِ الفَنِّ تَفِي

وَاللهَ أَرْجُو في قَبَولُ العَمَلْ

والنَّفْعَ مِنْهَا ثُمّ غُفْرَان الزَّلَل

القدير: صفة مشبهة بمعنى دائم القدرة، أو صيغة مبالغة بمعنى الكثيرة القدرة أي الاقتدار.

الحَمْدُ: لغة: الثناء . وأما اصطلاحا فهو: "الثناء على الله تعالى بجميل صفاته الذاتية وغيرها "، وهو أعم من الشكر؛ لأن الشكر هو: الثناء عليه بإنعامه، ولهذا يقال: حمدت فلانا على علمه وسخائه، ولا يقال : شكرته على علمه.

العَلِيّ: من العلو وهو الرفعة، وعلو تعالى عبارة عن ترفعه وتنزهه سبحانه وتعالى عن كل نقص، واتصافه بكل كمال.

الواحِد: ذاتا وصفاتا وأفعالا.

الفَرْدِ: بمعنى الواحد. وقال الحليمي: الفرد معناه: المنفرد بالقدم والإبداع والتدبير.

الغَنِيّ: الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله، إذ لا يلحقه نقص، ولا يعتريه عارض. قال سبحانه: { وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ }.

الماجِد: الرفيع القدر، العظيم الشرف، وهو بمعنى المجيد.

الصلاة: لغة : العطف والتعظيم، وعرفا: الرحمة المقرونة بالتعظيم . قال الحليمي: رحمه الله تعالى :" أما الصلاة في اللسان فهي التعظيم...فإذا قلنا:" اللهم صل على محمد "؛ فإنما نريد به: اللهم عظِّم محمدا في الدنيا؛ بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة؛ بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة المقربين في اليوم المشهود".

التسليم: التحية. واصطلاحا: قال القاضي عياض رحمه الله: "وفي معنى السلام عليه ثلاثة وجوه:

أحدها:السلامة لك ومعك ، ويكون السلام مصدرا؛ كاللذاذ واللذاذة.

الثاني: السلام على حفظك ورعايتك، متول لَه، وكفيل به، ويكون السلام هنا اسم الله تعالى.

الثالث:أن السلام بمعنى المسالمة لَه والانقياد، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}".

وقرن الناظم رحمه الله تعالى الصلاة مع السلام لما قاله الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" :"وقد نصَّ العلماء على كراهة الاقتصار على الصلاة من غير تسليم".

النَّبِيِّ: مشتق من النبأ، وهو: الخبر، سمي به لإنبائه عن الله، فهو فعيل بمعنى فاعل.

أو هو مشتق من نَبَا يَنْبُو، إذا ظهر وارتفع ، فهو فعيل بمعنى فاعل، أي: رفعه الله على خلقه.

قال البيهقي رحمه الله تعالى في "شعب الإيمان" :"النبوة اسم مشتق من النبأ، وهو الخبر ، إلا أن المراد به في هذا الموضع خبر خاص ، وهو الذي يكرم الله عز وجل به أحدا من عباده فيميزه عن غيره بإلقائه إليه ، ويوقفه به على شريعته بما فيها من أمر ونهي ووعظ وإرشاد".

آلِهِ : اسم جمع، لا واحد له من لفظه. واختلف في ألِفِه؛ أمنقلبة عن هاء أو واو؟، فقال سيبويه: إنها منقلبة عن هاء، وأصله عنده: "أهل". وقال الكسائي: إنها منقلبة عن واو، وأصله عنده: "أول" ، من: آل إليه في الدين يؤول. ويظهر أثر القولين في التصغير، فمن قال : أصله أهل، قال في تصغيره: "أهيل" ، ومن قال : أصله أول ، قال في تصغيره : "أويل" ، وكلاهما مسموع، غير أن الأول أشهر وأكثر.

صحبه: اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي ، وإن كان لَه واحد من لفظه ، كركب اسم جمع لراكب ، وهو اختيار سيبويه .

وقيل: جمع لصاحب بمعنى صحابي، وهو قول الأخفش، وضُعِّفَ بأن " فَعْلاً "لا يكون جمعا لفاعل قياسا مطردا .

والفرق بين الجمع واسم الجمع : أن اسم الجمع ما دل على مجموع الآحاد دلالة المركب على جملة أجزائه ، والجمع ما دل على أفراده دلالة تكرار الواحد بالعطف.

رفيقه في الغار: إشارة إلى سيدنا الصديق أبي بكر رضوان الله عليه.

سَنِيّة: نيرة، نسبة إلى السنا بالقصر، وهو النور، إشارة إلى وضوح دلالتها على معانيها.

الخَرِيدَة: اللؤلؤة التي لم تثقب.

لطيفة: أي قليلة الألفاظ أو سلسلة الألفاظ.

زبدة الفن: أي خلاصته.

والحاصل: أن الناظم رحمه الله تعالى قدَّم لمنظومته هذه بعد نسبتها إليه بما جرت عليه عادة المؤلفين من الخلف والسلف من افتتاح كتبهم المنظومة والمنثورة بحمد الله تعالى والثناء عليه، وقرن ذلك بالصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومدح نظمه، وبيان العلم الذي يندرج فيه هذا النظم، والقصد منه، والذي هو هنا ذكر خلاصة المتقرر عند أهل السنة في مباحث العقائد والتوحيد، مع سؤال الله تعالى والتضرع إليه أن يتقبل منه هذا النظم، وأن ينفع بها عموم المسلمين، وأن تكون سببا في ستر ذنبه ومغفرة زلله.

هذا والله تعالى أعلم.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates