الحديث الحسن

الاثنين، ديسمبر 20، 2010 التسميات:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

1587

قال الناظم رحمه الله تعالى:

الحَسَنُ الَّذِي الشُّرُوطَ اسْتَوْفَى   إِلاَّ كَمَـالَ الضَّبْـطِ فَهْـوَ خَفّ

قلت: بعدما بين الناظم رحمه الله تعالى حد الحديث الصحيح؛ عرج هنا لبيان حد الحديث الحسن الذي هو صنو الحديث الصحيح في الاستدلال به في مجال الأحكام الشرعية العملية، فذكر رحمه الله أن الحديث الحسن يشترط له الشروط نفسها والتي تشترط في الحديث الصحيح، وهي خمسة:

1-اتصال السند

2-عدالة الرواة .

3-ضبط الرواة .

4-السلامة من الشذوذ.

5-الخلو من العلة القادحة.

إلا أن الحديث الحسن والحديث الصحيح يفترقان في الشرط الثالث ، أعني ضبط الرواة ، فإنه يشترط في الصحيح أن يكون هذا الضبط تاما ، بينما يكفي في الحديث الحسن أن يكون الراوي العدل خفيف الضبط لا تامه .

والواقع أن إيجاد تعريف دقيق للحديث الحسن أمر غير ميسور، ولهذا اختلف المحدثون في تعريفه، حتى قال بعضهم:"إنه لا مطمع في تمييزه" كما في فتح المغيث للحافظ السخاوي 1/84، وقال العلامة الطيبي في (( الخلاصة ص:38)) :"اعلم أن هذا المقام صَعْبٌ مُرْتَقَاهُ ، وعَقَبَةٌ كَؤُودَةٌ" ، وقال الذهبي رحمه الله في الموقظة ( ص:6-8) "وفي تحرير معناه اضطراب ... ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها ، فإنا على إياس من ذلك".

وقال العلامة البرشنسي في ألفيته:

الحَسَنُ الكَلاَمُ فِيهِ مُنْتَشِـرْ    وَلَيْسَ فِي حَدٍّ صَحِيحٍ قَدْ حُصِرْ

وما ذلك إلا لأن الحديث الحسن هو في مرتبة وسطى بين الصحيح والضعيف ، فهو كما يقول بعضهم: " في رواته مقال لكن لم يظهر فيه مقتضى الرد فيحكم على حديثه بالضعف ، ولا يسلم من غوائل الطعن فيحكم لحديثه بالصحة"[ انظر:النكث على ابن الصلاح،للحافظ ابن حجر،1/400].

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:"وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر ، لا في نفس الأمر ، عَسُرَ التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة ، وذلك لأنه أمر نسبي يَنْقَدِحُ عند الحافظ ورُبَّما تَقْصُرُ عنه عبارته"[ اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث،ص:37 ].

والمعتمد في تعريف الحديث الحسن عند جمهور المتأخرين - وهو الذي اعتمده الناظم رحمه الله تعالى- تعريف الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى حيث قال:"وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند ، غير معلل ولا شاذ ، هو الصحيح لذاته...فإن خفَّ الضبط فالحسن لذاته" [ انظر:نزهة النظر شرح نخبة الفكر،ص:45].

وحتى هذا التعريف فيه مجال للنظر ، إذ ما هو ضابط هذه الخفة ؟ ، ومتى يتقاصر الضبط عن التمام إلى الخفيف ؟. الحقيقة إن هذا أمر نسبي يختلف باختلاف اجتهاد الناقد والقرائن التي اعتمدها في الحكم بذلك .

وعلى كل حال ، فالمقصود من الحدود عند المحدثين هو التقريب والإفهام ، ولا يتقيدون بضابط الحد المنطقي ، وانتحال ذلك والاشتغال به تكلف وخروج عن المقصود .

وعليه فإنا نقول في تعريف الحديث الحسن - كما بين الحافظ رحمه الله تعالى-:"الحديث الحسن هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط من غير شذوذ ولا علة قادحة".

مثال الحديث الحسن :

قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: حدثنا قتيبة ، ثنا حماد بن يحيى الأبح ، عن ثابت البناني ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ ، لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ".

قال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب".

فهذا الحديث حسن، لاشتماله على كافة الشروط الخمسة السابق ذكرها.

*فهو متصل السند.

*سالم من الشذوذ.

*خال من العلة القادحة.

*رواته ثقات:إلا حماد بن يحيى الأبح البصري ، فإنه حسن الحديث لخفة ضبطه.

قال الحافظ في (( التقريب)):"صدوق يخطئ".

وقال الذهبي في (( الكاشف)):"ثقة،قال أبو داود:يخطئ كما يخطئ الناس".

فوائد :

الأولى: اعلم-وفقك الله لطاعته-أن الحديث الحسن إذا أتى من طريق آخر أو ورد بمعناه شواهد،فإنه يرتقي إلى درجة الصحة،فيصبح صحيحا لغيره.

مثاله: الحديث السابق:أي " مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ ، لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وهو حديث حسن،له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة".

قلت : وقد توسعت في تخريج الحديث والكلام على طرقه في كتابي [ المفاتيح الربانية بحل المنظومة البيقونية ] ، ولعله قريبا يرى النور إن شاء الله تعالى في عالم المطبوعات ، يسر الله ذلك بفضله. آمين .

الثانية:في حكم الحديث الحسن:

اعلم-هداك الله-أن الحديث الحسن عند الفقهاء ومعظم المحدثين ملحق بالصحيح في الاحتجاج والعمل به ، وإن كان لا يلحقه في الرتبة لانحطاط ضبط رواته،والله تعالى أعلم.

الثالثة:في مراتب الحديث الحسن:

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"أعلى مراتب الحسن: بهز بن حكيم عن أبيه عن جده،وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة،وابن إسحاق عن التيمي،وأمثال ذلك

وهو قسم متجاذب بين الصحة والحسن، فإن عدة من الحفاظ يصححون هذه الطرق،وينعتونها بأنها من أدنى مراتب الصحيح.

ثم بعد ذلك أمثلة كثيرة يتنازع فيها،بعضهم يحسنونها،وآخرون يضعفونها ، كحديث الحارث بن عبد الله ، وعاصم بن ضمرة ، وحجاج بن أرطأة ، وخصيف ، ودراج أبي السمح ، وخلق سواهم".

الرابعة: اعلم أن بعض المحدثين قد يطلقون اصطلاح "الحسن" على بعض الأحاديث، ومرادهم حسن المعنى ، لا حسن الإسناد.

قال الحافظ العراقي رحمه الله :" قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن وأرادوا حسن اللفظ لا المعنى الاصطلاحي" [التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من مقدمة ابن الصلاح،ص:52].

فمن ذلك قول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره5/188 عند قوله تعالى:{والجار ذي القربى والجار الجنب}:"المسألة العاشرة:ورد حديث جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه مرافق الجار،وهو حديث معاذ بن جبل قال:يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حق الجار؟،قال:"إن استقرضك أقرضته......."

وساق الحديث ثم قال:هذا حديث جامع،وهو حديث حسن، في إسناده أبو الفضل عثمان بن مطر الشيباني، غير مرضي".

والمراد بالحسن هنا:حسن المعنى لا حسن الإسناد، فالحديث-كما ترى-ضعيف.

قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى:"وإطلاق لفظ الحسن على المعنى المستطرف المستحسن:اصطلاح لأهل الأندلس، فإنهم يطلقونه على الحديث المستطرف ولو كان حديثا باطلا، وذلك أنهم لا يقصدون الحسن الاصطلاحي،كما نبه عليه شيخنا أحمد الغماري رحمه الله تعالى في كتابه المغير ص:26".

الخامسة: قال الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى:"قولهم: هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم:هذا حديث صحيح أو حسن،لأنه قد يقال:هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح الحديث لكونه شاذا أو معللا، غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله:صحيح الإسناد ولم يذكر له علة قادحة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم بأنه صحيح في نفسه،لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر.كذا ذكره ابن الصلاح في مقدمته.

وقال الزين العراقي في شرح ألفيته: وكذلك إن اقتصر على قوله :حسن الإسناد ولم يعقبه بضعف،فهو أيضا محكوم له بالحسن" [ الرفع والتكميل ص:187].

السادسة: زيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة إذ هي في حكم الحديث المستقل،هذا إن لم تناف رواية من لم يزد، فإن نافت ولزم من قبولها رد الأخرى احتيج للترجيح، فإن كان لأحدهما مرجح فالآخر شاذ [انظر:نخبة الفكر للحافظ ،ص:48-49].

السابعة : كثيرا ما يستعمل المحدثون للدلالة على قبول الحديث ألفاظا غير قولهم : صحيح أو حسن ، مثل: الجيد والقوي والصالح والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت [انظر تدريب الراوي،1/143].

فأما الجيد:فقد قال الحافظ ابن حجر أنه لا مغايرة بين الصحيح والجيد عندهم،منه ما في جامع الترمذي:هذا حديث جيد حسن،إلا أن الجهبذ لا يعدل عن الصحيح إلى جيد إلا لنكتة،كأن يرتقي الحديث عنده من الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصحيح،فالوصف بجيد أنزل رتبة من الوصف بالصحيح.

وكذا القوي.

وأما الصالح فيشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج بهما،ويستعمل أيضا في ضعيف ضعفا يسيرا لأنه يصلح للاعتبار.

وأما المعروف فهو مقابل المنكر.

والمحفوظ مقابل الشاذ.

والمجود والثابت يشملان الصحيح والحسن.

ومن ألفاظهم أيضا:"المشبه"،ويطلق على الحسن وما يقاربه.

قال أبو حاتم:أخرج عمرو بن الحصين البصري العقيلي أول شيء أحاديث مشبهة حسانا،ثم أخرج بعد أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبناه عنه،فتركنا حديثه".

هذا والله تعالى أعلم.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates