مباحث صفات الله تعالى: ثانيا الصفات السَّلْبِية

الثلاثاء، نوفمبر 12، 2013 التسميات:

بسم الله الرحمان الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

allah

[ثانيا: الصفات السَّلْبِية]

قال الناظم رحمه الله تعالى:

................

ثُمَّ تَلِيهَا خَمْسَةٌ سَلْبِيَّهْ

وَهْيَ القِدَمُ بِالذَّاتِ فَاعْلَمْ وَالبَقَا

قِيَامُهُ بِنَفْسِهِ نِلْتَ التُّقَى

تَخَالُفٌ لِلْغَيْرِ وَحْدَانِيَّهْ

فِي الذَّاتِ أَوْ صِفَاتِهِ العَلِيَّهْ

وَالفِعْلِ .............

..............

قلت:

هذا بيان من الناظم رحمه الله تعالى للصفات السلبية.

وسميت سَلبية؛ لأنه تنتفي بها أمور لا تليق بالله تعالى، وتنزهه عن جميع النقائص، ولهذا تسمّى بمُهمَّات الأُمَّهَات .

وهذه الصفات خمسة، وهي: القدم، البقاء، قيامه بنفسه، مخالفته تعالى للحوادث، والوحدانية.

****

(1) القدم

والمراد به: انتفاء العدم السابق للوجود. فمعنى قولنا: "الله قديم": أي أن وجوده سبحانه لم يسبق بالعدم.

والدليل على أن الله متصف بالقدم: الكتاب والسنة والإجماع والعقل .

أما الكتاب: فيقول تعالى « هو الأول »[الحديد:3].

وأما السنة: فروى أبو داود في سننه بسند صحيح من حديث سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دخل المسجد قال: >أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم<. الحديث.

وقد أجمعت الأمة على أن الله تعالى متصف بالقدم، فلم يسبق ذاته ولا صفاته عدم.

قال العلامة المحدث المرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى في "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين": "قد أجمعت على وصفه تعالى به، وورد ذكره في بعض الأخبار".

ومن العقل: أنه لو لم يكن قديما لصار حادثا جائز الوجود؛ لأن الموجودات تنحصر في القديم والحادث ولا واسطة بينهما، وقد ثبت استحالة الحدوث عليه سبحانه، فيكون سبحانه وتعالى قديما .

*****

(2) البقاء:

وحقيقته: عدم الآخرية للوجود .

فمعنى "الله باق" أي أنه لا آخر لوجوده، فلا يلحق وجوده عدم؛ لأن ما ثبت قِدَمُه استحَال عَدَمُه.

ويدل على وصفه تعالى بالبقاء من الكتاب: قوله تعالى : « ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام » [ الرحمان:27] . قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في "دفع شبه التشبيه": " قال المفسرون: معناه: يبقى ربك ".

ومن السنة: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: > اللهم أنت الآخر ، فليس بعدك شيء < رواه مسلم.

وقد أجمعت الأمة على أن الله تعالى متصف بالبقاء .

ومن العقل: فدليل القدم هو دليل البقاء؛ لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه .

*****

(3) قيامه تعالى بنفسه

والمراد بالقيام بالنفس: الغنى وانتفاء الاحتياج إلى المحل والمخصص.

والمراد بالمحل هنا: ما هو أعم من المكان أو الحيز أو المتحيز، وإنما يراد به هنا قيامه بذات أو أمر يَقوم به، أي يتقوَّم وجوده به.

فالله تعالى لا يحتاج إلى ذات يحلُّ فيها كما تَحُلُّ الصفة بالموصوف. كما تدعيه النصارى وأرباب الحلول والاتحاد، وذلك كفر اتفاقا.

والمراد بالمخصص: الفاعل والموجد الذي يخصصه بالوجود بدلا من العدم.

وهذا مستحيل في حق الله تعالى؛ لأن الذي يحتاج إلى المخصص هو من يقبل العدم ، والله سبحانه لا يقبله في ذاته ولا في صفة من صفاته.

والدليل على هذه الصفة من الكتاب: قوله تعالى « الله لا إله إلا هو الحي القيوم» [ البقرة:255 ] .

ومن السنة: ما رواه أبو داود وغيره من حديث زيد مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : > من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، غفر له وإن كان قد فر من الزحف < .

وقد أجمعت الأمة على أن الله تعالى قائم بنفسه، أي غني .

ومن العقل: أنه لو افتقر إلى محل لكان صفة، ولو كان صفة لم يتصف بصفات المعاني والمعنوية، وهي واجبة القيام به تعالى للأدلة الدالة على ذلك، وهذا باطل، وإذا بطل ذلك بطل ما أدى إليه وهو كونه صفة، فبطل ما أدى إليه أيضاً وهو افتقاره إلى محل، وثبت عدم افتقاره إلى محل وهو المطلوب. ولو افتقر إلى مخصص لكان حادثاً، كيف وقد سبق وجوب وجوده وقدمه وبقائه ذاتاً وصفاتا.

*****

(4) مخالفته تعالى للحوادث

والمراد بها: نفي المشابهة في الذات والصفات والأفعال .

فلا مماثلة بين الله تعالى وبين الحوادث ولو في وجه من الوجوه، فكل ما يخطر على بالك، فالله بخلاف ذلك، كما كان يقول السلف الصالح.

والدليل على مخالفته تعالى للحوادث من الكتاب: قوله تعالى «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير »[ الشورى:11].

ومن السنة: ما رواه أبو العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "انسب لنا ربك"، فنزلت «قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد» [ الإخلاص/1-4] .

وأجمعت الأمة على أنه تعالى مخالف للحوادث .

ومن العقل: فدليل مخالفته سبحانه للحوادث هو دليل القدم؛ لأن ما وجب له القدم لذاته فهو واجب، والواجب يستحيل عليه لوازم الحدوث، التي يكون بها مماثلا للحوادث، فوجب مخالفته للحوادث .

*****

(5) الوحدانية

والمراد بالوحدانية: نفي التعدد في الذات والصفات والأفعال.

فالله سبحانه وتعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، لا شبيه له في ذلك.

أما وحدانية الذات، فتعني أن الله تعالى ليس مؤلفا من أجزاء، أو من مادة، أو من أعراض؛ لأنه لو كان مؤلفا من ذلك لكان مفتقرا في وجوده إليها، والله تعالى منزه عن الافتقار إلى شيء، فهو الغني المطلق.

فالله تعالى ليس جزءا من غيره، ولا ينفصل عنه جزء، أي لم يلد ولم يولد، أما المخلوقات فهي مؤلفة من أجزاء، والله لا يشبه مخلوقاته.

أما وحدانية الصفات، فتعني أن صفات الله تعالى لا تشبه صفات مخلوقاته، فعلم الله ليس كعلم الإنسان؛ لأن علم الله غير محدود، قائم بذاته، قديم بقدمه غير مكتسب.. وهكذا بقية الصفات كالقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر والحياة .

أما وحدانية الأفعال، فتعني أن الله تعالى يتصرف في ملكه وحده دون أن يشاركه في ذلك أحد، فهو المتفرد بالخلق والإبداع، المستقل بالإيجاد، لا رب غيره، ولا فاعل على الحقيقة سواه .

ودليل الوحدانية من الكتاب: قوله تعالى « وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم» [ البقرة: 163 ].

ومن السنة: قوله صلى الله عليه وآله وسلم : > إن الله وتر يحب الوتر < رواه مسلم.

قال النووي رحمه الله تعالى: " الوتر: الفرد، ومعناه في حق الله تعالى الواحد الذي لا شريك له ولا نظير ".

وأجمعت الأمة على أن الله تعالى واحد .

ومن العقل: فلقد استدل عليها أهل السنة بعدة براهين، قال العلامة المحقق السعد التفتازاني رحمه الله: " والمشهور في ذلك بين المتكلمين: برهان التمانع، المشار إليه بقوله تعالى « لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون» [ الأنبياء:22] . وتقريره: أنه لو أمكن إلهان، لأمكن بينهما تمانع، بأن أراد أحدهما حركة زيد والآخر سكونه، لأن كلا منهما في نفسه أمر ممكن، وكذا تعلق الإرادة بكل منهما، إذ لا تضاد بين الإرادتين، بل بين المرادين، وحينئذ إما أن يحصل الأمران، فيجتمع الضدان، أو لا، فيلزم عجزهما، أو يحصل أحدهما، فيلزم عجز أحدهما، وهو أمارة الحدوث والإمكان لما فيه من شائبة الاحتياج، فالتعدد مستلزم لإمكان التمانع المستلزم للمحال، فيكون محالا ".انتهى

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates