مقدمة الحريري (2)

السبت، ديسمبر 18، 2010 التسميات:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

( وبعْدُ ) هي فصل الخطاب ( فإنّهُ قدْ جرَى ببَعْضِ أنْديَةِ ) جمع نَدِيّ، وهو مجلس القوم الذي يتحدثون فيه، ولا يقال له ندي إلا إذا كان فيه أهله، فإذا تفرقوا لم يكن نديا، والندي والنادي والمنتدى بمعنى ( الأدَبِ ) قال ابن الأنباري: أدب العرب سابقا هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم مثل ترك السفه وبذل المجهود وحسن اللقاء واصطلح الناس بعد ذلك على أن سموا النحو ومعرفة الأخبار والشعر أدبا ( الذي ركدَتْ ) سكنت ( في هذا العصْرِ ريحُهُ ) أي دولته، وفي التنزيل {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} قال أبو عبيدة البصري في مجاز القرآن: مجازه: وتنقطع دولتكم ( وخبَتْ ) خمدت، وفي التنزيل {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} ( مصابيحُهُ ) جمع مصباح، وهو السراج، وهو مجاز هنا عن العلماء، والمراد: ماتت علماؤه وعدموا ( ذِكْرُ المَقاماتِ ) جمع مقامة، بفتح الميم أي المجلس، والحديث يجتمع له ويجلس لاستماعه يسمى مقامة ومجلسا، لأن المستمعين للحديث ما بين قائم وجالس ( التي ابْتَدعَها ) أنشأها على غير مثال سابق، وقد ذكر بعض مشايخ الأدب أن مقاماته كانت ارتجالا، وأنه كان يقول لأصحابه: اقترحوا غرضا نبني عليه مقامة، فيقترحون ما شاؤوا، فيملي عليهم المقامة ارتجالا في الغرض الذي اقترحوه. قال: وهذا أقوى دليل إن صح على فضل البديع ( بَديعُ الزّمانِ ) أبو الفضل أحمد بن الحسين ين يحيى الهمذاني، الإمام الأديب البليغ، نادرة الدهر وفرد العصر، المتوفى رحمه الله سنة 393هـ ( وعلاّمَةُ ) الغزير العلم، والهاء زيدت للمبالغة ( همَذانَ ) بالذال المعجمة وهناك من يهملها والأول أثبت، مدينة بإيران، وهي مدينة تاريخية قديمة، فتحها المسلمون علم 23هـ في عهد الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن أشهر أعلامها بالإضافة لبديع الزمان: ابن خالويه شيخ النحاة، وأبو العلاء الحسن بن أحمد العطار المقرئ ( رحِمَهُ اللهُ تعالى ) تولاه برجمته وعفوه ( وعَزا ) نسب ( الى أبي الفتْحِ الإسكنْدَريّ نشْأتَها ) صنعتها ( والى عيسى بنِ هِشامٍ رِوايتَها ) حكايتها ( وكِلاهُما مجْهولٌ لا يُعرَفُ. ونَكِرةٌ لا تتَعرّفُ! فأشارَ مَنْ إشارتُه )  طلبه وأمره ( حُكْمٌ ) وهو أنو شروان بن خالد وزير المسترشد أو المستظهر بالله، أو والي البصرة ( وطاعَتُه غُنْمٌ ) أي غنيمة، وهي حصول الشيء من غير عوض ( الى أنْ أُنْشئَ )  أُحدث ( مَقاماتٍ أتْلو فيها تِلْوَ البَديعِ ) أي أتبعه فيها ( وإنْ لمْ يُدْرِكِ الظّالِعُ ) المائل في مشيته من داء، وفي الحديث: "لعرجاء الْبَين ظلعها". قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار": "الظلع بِفَتْح الظَّاء وَاللَّام وَسُكُون اللَّام أَيْضا: العرج يُقَال مِنْهُ: ظلع بِكَسْر اللَّام إِذا كَانَ بِهِ غير خلقَة، فَإِن كَانَ خلقَة قيل ظلع بِالْفَتْح يظلع بِالضَّمِّ مثل: عرج وعرج فِي الْحَالَتَيْنِ" ( شأوَ ) مدى ( الضّليعِ ) القوي، وهو في الأصل مأخوذ من قوة الأضلاع، واستعير ذلك في كل شيء، حتى قيل لكل قوي: ضليع، وفي حديث عمر لما صارع الجني فقال له: إني من بينهم لضَلِيعٌ، والمصنف رحمه الله جعل نفسه هنا كالفرس الأعوج الذي جريه إذا اجتهد دون مشي الصحيح، وجعل الهمذاني كالفرس العتيق الكامل القوة( فذاكَرْتُهُ بما قيلَ فيمَنْ ألّفَ بينَ كَلِمتَينِ. ونظَم بيْتاً أو بيتَينِ ) إشارة إلى قول أبي عمرو بن العلاء: الإنسان في فسحة من عقله، وفي سلامة من أفواه الناس؛ ما لم يضع كتابا، أو يقل شعرا. وقيل: من صنع كتابا فقد استشرف للحسد والغيبة، وقال آخر: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس. وقال حسان:

وإنما الشعر عقل المرء يعرضه  ***   على البرية إن كيْساً وإن حُمقا

( واسْتقَلْتُ ) طلبت الإقالة ( منْ هذا المَقامِ ) بالفتح موضع القيام، وفي التنزيل: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ } قرأ نافع وابن عامر في "مُقام" بالضم، والباقون بالفتح،قال الجوهري: وأما المُقام والمَقام فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم، لأن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم، لأنه مشبه ببنات الأربعة، نحو دحرج وهذا مدحرجنا. وقيل: المَقام –بالفتح- المشهد والمجلس، وبالضم يمكن أن يراد به المكان، ويمكن أن يكون مصدرا ويقدر فيه المضاف، أي في موضع إقامة  ( الذي فيهِ يَحارُ ) يتحير ( الفَهْمُ، ويفرُطُ ) يسبق ( الوهْمُ، ويُسْبَرُ ) يختبر، وأصله من قولك: سبرت الجرح إذا أدخلت فيه المسبار لتعلم مقدار عمقه ( غوْرُ العقْلِ ) عمقه ومنتهاه ( وتتَبَيّنُ فيمَةُ المَرْء في الفضْلِ، ويُضْطَرّ صاحِبُه الى أن يكونَ كحَاطِبِ لَيْلٍ ) جامع الحطب بالظلام، وحاطب الليل لا يبصر ما يحتطب، فهو يؤلف بين الصغير من الحطب والكبير، والقوي والضعيف؛ وكذلك المكثار، يأتي بالضعيف من الكلام، والجيد والرديء، فشبه ذلك بالحاطب، وهذا مثل لأكثم بن صيفي حكيم العرب؛ ذكره أبو عبيد في أمثاله، وقال في تفسيره: إنما شبهه بحاطب الليل؛ لأنه ربما نهشته الحية أو لسعته العقرب في احتطابه ليلا؛ فكذلك المهذار، ربما أصاب في إكثاره بعض ما يكره. وللفرزدق:

كمحتطب ليلا أساود هضبة  *** أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه  

( أو جالِبِ رَجْلٍ ) جمع راجل، وهو الماشي، مثل صحب وصاحب ( وخَيْلٍ ) أي وركاب خيل. وفي التنزيل {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}. قال في الجلالين: "هم الركاب والمشاة في المعاصي". ومراد الحريري: أن الذي يتكلف ذلك يكون كمن يحطب بالليل ويجلب للحرب الرجل والخيل؛ أي يجمعهم ( وقلّما سلِمَ مِكْثارٌ ) كثير الكلام ( أو أُقيلَ لهُ عِثارٌ ) تُجُوِّزَ عن سقطته وصفح عن زلته ( فلمّا لمْ يُسْعِفْ ) يؤاتي وينيل الرغبة ( بالإقالَةِ. ولا أعْفَى ) أزال عنه ما يشق عليه وتركه؛ ومنه: إعفاء اللحية؛ أي تركها على حالها، ( منَ المَقالَةِ؛ لبّيْتُ ) أجبتُ ( دعْوَتَهُ تلبِيَةَ المُطيعِ. وبذَلْتُ في مُطاوَعَتِه جُهْدَ ) الوسع والطاقة ( المُستَطيعِ، وأنْشأتُ )  ابتدأت ( على ما أُعانِيه ) أعالجه، وأصلها من العناء، وهو التعب ( منْ قَريحةٍ ) الطبع الذي جبل عليه الإنسان لأنه أول خلقته، وقريحة كل شيء: أوله، ويقال: لفلان قريحة جيدة، يراد استنباط العلم بجودة الطبع  ( جامِدةٍ. وفِطْنَةٍ ) ذكاء ( خامِدةٍ، ورَويّةٍ ) تدبر، وروَّأت الأمر: تدبرت كيف أصنعه ( ناضِبَةٍ ) جافة، من نضب الماء: غار في الأرض، وتشبيه الروية بالنضوب؛ لأنها كالماء في اللطافة ( وهُمومٍ ناصِبَةٍ ) متعبة، وفي التنزيل { الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} ( خمْسينَ مَقامةً تحْتَوي على جِدّ القَوْلِ وهزْلِه. ورَقيقِ اللّفْظِ ) سهله العذب ( وجزْلِه ) متينه ( وغُرَرِ ) جمع غرة، وهي خيار الشيء، ومنه غرة الفرس، وهو البياض في أعلى جبهته، فجعله للبيان مجازا ( البَيانِ ودُرَرِه ) جمع جرة، وهي: الجوهرة العظيمة ( ومُلَحِ ) مستطرف، جمع ملحة ( الأدَبِ ونوادِرِه ) غرائبه، جمع نادرة ( إلى ما وشّحْتُها ) زينتها ( بهِ من الآيات ) القرآنية ( ومَحاسِنِ الكِناياتِ ) جمع كناية، وأصل الكناية: ذكر الشيء وإرادة غيره ( ورصّعْتُهُ ) نظمته وألصقت بعضه ببعض ( فيها من الأمْثالِ العربيّةِ. واللّطائِفِ ) الرقائق، والكلمة اللطيفة: الرقيقة المعنى التي تحل في القلب فتلطِّفُه ( الأدبيّةِ، والأحاجيّ ) نوع من الألغاز، واحدها: أُحْجيّة، وأصلها من قول العرب: أحاجيك ما في يدي؟ وحُجَيَّاك ما في يدي؟ وهي من الحِجَى، وهو العقل ( النّحْويّةِ، والفَتاوَى ) بفتح الواو ولا يجوز كسرها؛ لأنها جمع فتوَى، وأراد بها المسائل المائة التي في المقامة الثانية والثلاثين ( اللّغويّةِ، والرّسائِلِ المُبتَكَرةِ ) التي لم يسبق إليها، وبكر كل شيء: أوله ( والخُطَبِ ) من الخطب، وهو الأمر العظيم؛ لأنهم كانوا لا يخطبون إلا في أمر عظيم ( المُحَبّرةِ ) المزينة ( والمواعِظِ المُبْكِيةِ، والأضاحيكِ ) جمع أضحوكة، وهو ما يضحك منه ( المُلْهِيَةِ. ممّا أمْلَيْتُ جميعَهُ على لِسانِ أبي زيْدٍ السَّرُوجيّ، وأسْنَدْتُ رِوايتَهُ الى الحارِثِ بنِ هَمّامٍ البِصْرِيّ. وما قصَدْتُ بالإحْماضِ فيهِ ) الانتقال من شيء إلى شيء، وأصله من إحماض الإبل، وهي أن تأكل من الخلة وهي حلو المراعي فتمله فتنتقل إلى الحمض تأكل منه، فتنشط بذلك على الرعي ( إلا تنْشيطَ قارِئِيهِ. وتكْثيرَ سَوادِ ) أشخاص، ويسمى الشخص سوادا؛ لأنه يسود الأرض بظله ( طالِبيهِ. ولمْ أُودِعْهُ ) أُضَمِّنْهُ ( منَ الأشْعارِ الأجْنبيّةِ إلا بيْتَينِ فذّينِ ) منفردين، هذا من شعر، وهذا من آخر ( أسّسْتُ علَيْهِما بُنْيَةَ المَقامَة الحُلْوانيّةِ. وآخَرَينِ توأمَينِ ) أخوين من شعر واحد ( ضمّنْتُهُما خَواتِمَ المَقامَةِ الكرَجيّةِ. وما عدا ذلِك فخاطِري أبو عُذْرِهِ ) أي أول صانع له، يقال للمرأة: فلان أبو عُذْرِها؛ أي أول زوج تزوجها فوجدها عذراء فافتض وأزال عذرتها ( ومُقْتَضِبُ ) مرتجله على البديهة ( حُلْوِهِ ومُرِّهِ ) جيده ورديئه .

( هذا معَ اعْتِرافيْ بأنّ البَديعَ رحِمَهُ اللهُ سَبّاقُ) هو الذي يجيء سابقا أبدا ( غاياتٍ ) جمع غاية، وهو طلق الخيل ( وصاحِبُ آياتٍ ) علامات ( وأنّ المتصَدّيَ ) المتعرض ( بعدَهُ لإنْشاء مَقامةٍ. ولوْ أُوتيَ ) أُعْطِي ( بَلاغَةَ قُدامَةَ ) أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب، كان أحد البلغاء الفصحاء، يضرب به المثل في البلاغة والفصاحة، وله كتاب يعرف بسر البلاغة في الكتابة، توفي سنة 328هـ ( لا يغْترِفُ إلا من فُضالَتِه ) الفضالة: البقية من الماء وغيره ( ولا يسْري ذلِك المَسْرى ) أصل الإسراء: السير بالليل، والمراد: يقصد ذلك المقصد  ( إلا بدَلالَتِهِ ) بكسر الدال وفتحها، والفتح أكثر؛ أي هدايته وتقدمه ( وللهِ دَرُّ القائِلِ ) هو عدي بن الرقاع، وكان من أوصف الناس للمطية ( فلوْ قبْلَ مَبْكاها بكَيْتُ صَبابةً ) شوقا ( بسُعْدى ) اسم امرأة ( شفَيتُ النفسَ قبل التّنَدُّمِ . ولكِنْ بكَتْ قبْلي فهيّجَ ) حرّك ( لي البُكا ... بُكاها فقُلتُ الفضْلُ للمتَقدِّمِ ) فيه تفضيل للمتقدم على المتأخر، وقد أحسن ابن حبيب حيث قال:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ***   ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى   ***  وحنـــــينه أبدا لأول منزل

والصواب في هذا المقام، ما قاله ابن المبرد في "الكامل" : "وليس لقدم العهد يُفضَّل القائل، و لحداثة العهد يُهْضّمُ المصيب، ولكن يعطى كل ما يستحق".

وهذا الكلام من الحريري فيه من الأدب ما لا يخفى، إذ امتدح البديع، وأقر له بالفضل، وشهد له بالتقدم، وصرح بتفضيله على نفسه، ثم لم ير لنفسه قدرا، وبذا كتب لمقاماته الظهور والانتشار ورفعة القدر والذكر عند العامة والخاصة.

( وأرْجو أنْ لا أكونَ في هذا الهذَرِ الذي أوْرَدْتُهُ ) الإكثار الذي أتيت به ( والمَوْرِدِ الّذي تورّدْتُهُ ) اقتحمته ( كالباحِثِ عنْ حتْفِهِ ) هلاكه ( بظِلْفِه ) الظلف للبقر والغنم كالحافر للخيل والحمير، وهذا مثل للعرب، وأصله: أن قوما كانت لهم ماعزة، فأرادوا ذبحها فلم يجدوا شَفْرة، فنشبت الماعزة بظلفها في الأرض، فاستخرجت منها شفرة، فذبحوها بها، وقالوا: بحثثت عن حتفها بظلفها، وسارت مثلا. قال الفرزدق:

وكانت كعنز السوء قامت بظلفها  إلى مدية تحت الثرى تستثيرها

( والجادعِ ) القاطع ( مارِنَ أنْفِهِ ) ما لان منه ( بكفّه ) والمراد به: قصير مولى جذيمة الأبرش، وستأتي قصته في شرح المقامة الرابعة والعشرين إن شاء الله تعالى، ومراد المصنف رحمه الله الترجي ألا يدركه من الضرر مثل ما أدركهما من الضرر حين جنيا على أنفسهما وانتفع غيرهما ( فألحَقَ بالأخْسَرِينَ أعْمالاً الذينَ ضلّ سعْيُهُمْ ) خابت أعمالهم ( في الحياةِ الدُنْيا. وهُمْ يحْسِبونَ أنّهُمْ يُحسِنونَ صُنْعاً. على أني وإنْ أغْمَضَ ) سامح وسد عينيه عما لم يرض ( لي الفَطِنُ ) الذكي ( المُتغابي ) المتجاهل عن الشيء وهو عارف به، وهو مما يحمد به الرجل. قال حبيب:

ليس الغبي بسيد في قومه ** لكن سيد قومه المتغابي

( ونضَحَ عنّي ) دفع ( المُحبُّ المُحابي. لا أكادُ أخْلُصُ منْ غُمْرٍ جاهِلٍ ) أي جهله ( أو ذي غِمْرٍ ) عداوة ( متَجاهِلٍ ) مدع للجهل وليس به ( يضَعُ ) يحطُّ ( مني لهَذا الوضْعِ ) يعني وضع هذا الكتاب ( ويندّدُ ) يشهر العيب، وندد به؛ إذا أسمعه المكروه ( بأنّهُ منْ مَناهي الشّرْعِ. ومَنْ نقَدَ ) فتش ( الأشْياءَ بعَينِ المعْقولِ ) العقل ( وأنْعَمَ ) بالغ ( النّظَرَ في مَباني الأصولِ. نظَمَ ) سلك ( هذِه المَقاماتِ. في سِلْكِ الإفاداتِ ) الفوائد ( وسلَكَها مسْلَكَ الموْضوعاتِ ) الكتب المؤلفة، أي أدخلها مدخل هذه الكتب ( عنِ العَجْماواتِ ) البهائم، جمع عجماء، سميت بذلك؛ لأن صوتها لا يفهم منه معنى ( والجَماداتِ ) ما عدا الحيوان، والمعنى أن هذه المقامات ينبغي أن يسلك بها ما ألف من الكتب مما لا حقيقة له في الظاهر، وقد ضمن الحكم الشافية في الباطن، مثل كتاب كليلة ودمنة وغيره مما ألف على ألسنة ما لا عقل له ولا روح، قال الشريشي: وكذلك المقامات، وإن كان ظاهرها كذبا فالقصد بها تمرين الطالب وتهذيبه وتذكية عقله، إلى ما ينضاف إلى ذلك من تعليم صنعة الكتابة والشعر؛ فإنها أعون شيء عليها ( ولمْ يُسْمَعْ بمَنْ نَبا ) ارتفع ( سمْعُهُ عنْ تِلكَ الحِكاياتِ. أو أثّمَ ) جعلهم أصحاب إثم ( رُواتَها في وقْتٍ من الأوْقاتِ. ثمّ إذا كانَتِ الأعْمالُ بالنِّيّاتِ ) إشارة إلى الحديث الصحيح المتفق عليه: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ( وبها انْعِقادُ ) ارتباط ( العُقودِ ) العقائد ( الدِّينِيّاتِ. فأيُّ حرَجٍ ) ضيق وإثم ( على مَنْ أنْشأ مُلَحاً للتّنْبيهِ ) أي لينبه به الغافل الذهن فيجعله حاضر الخاطر ( لا للتّمويهِ ) الزخرفة وتزيين الشيء القبيح ( ونَحا به ) قصد ( منحَى التّهْذيبِ ) التخليص من العيوب ( لا الأكاذيبِ؟ ) جمع أكذوبة، وهي الكذب ( وهلْ هُوَ في ذلِك إلا بمنزِلَةِ مَنِ انتَدَبَ ) ويروى: ندب، وندب :دعا، وانتدب: أجاب ( لتعْليمٍ. أو هدَى الى صِراطٍ مُستَقيمٍ؟ ) معتدل.

( على ) يمعنى مع ( أنّني راضٍ بأنْ أحْمِلَ الهَوى ... وأخْلُصَ منْهُ لا عليّ ولا لِيا ) أي يخرج كفافا لا أجر ولا وزر.

( وباللهِ أعْتَضِدُ ) أستعين ( فيما أعْتَمِدُ، وأعْتَصِمُ ) أمتنع ( ممّا يصِمُ ) يعِيب ( وأسْتَرْشِدُ ) أستهدي ( الى ما يُرْشِدُ ) يهدي ويدل على الخير ( فما المَفْزَعُ ) الملجأ والموئل ( إلاّ إليْهِ، ولا الاستِعانةُ إلا بهِ، ولا التّوفيقُ إلا منْهُ، ولا الموْئِلُ إلا هُوَ. علَيْهِ توكّلتُ وإليْهِ أُنيبُ ) أرجع، والإنابة: الرجوع إلى الله والتوبة إليه ( وبهِ نسْتَعينُ، وهو نِعْمَ المُعينُ ) سبحانه وتعالى.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates