الحديث الضعيف

الثلاثاء، ديسمبر 28، 2010 التسميات:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

daife


قال الناظم رحمه الله تعالى :


ثُمّ الضَّعِيف مَا بِه اخْتِلاَلْ         فِي شُرُوطٍ أَوْ أَكْثَر وَاعْتِلال


قلت :


حاصل ما أشار إليه الناظم رحمه الله تعالى هنا أن الحديث الضعيف هو الحديث الذي اختل فيه شرط من شروط القبول الشاملة للصحة والحسن، والتي هي: اتصال السند، السلامة من الشذوذ، الخلو من العلة القادحة، عدالة الرواة، وضبطهم، والعاضد عند الاحتياج إليه.

مثال الحديث الضعيف :


قال الترمذي رحمه الله في سننه :حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن سراقة بن مالك بن جعشم قال:" حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقيد الأب من ابنه، ولا يقيد الابن من أبيه".
قال الترمذي رحمه الله تعالى:" هذا حديث لا نعرفه من حديث سراقة إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده بصحيح ، رواه إسماعيل بن عياش عن المثنى بن الصباح ، والمثنى بن الصباح : يضعف في الحديث".

فوائد :

الأولى:في الحديث المضعف:
قال السخاوي رحمه الله تعالى:"أفرد ابن الجزري عن هذا نوعا آخر سماه : "المضعف"، وهو: الذي لم يجمع على ضعفه ، بل فيه –إما في المتن أو في السند –تضعيف لبعض أهل الحديث، وتقوية لآخرين، وهو أعلى مرتبة من الضعيف المجمع عليه.
ومحل هذا:إذا كان التضعيف هو الراجح ، أو لم يترجح شيء ، وإلا فيوجد في كتب ملتزمي الصحة حتى البخاري ، مما يكون من هذا القبيل أشياء"انتهى.

الثانية:في حكم العمل بالحديث الضعيف والاحتجاج به:

ويتناول هذا المبحث ثلاث نقط:


حكم العمل أو الاحتجاج به في العقائد:فهذا لا يجوز إجماعا .


حكم العمل أو الاحتجاج به في الأحكام الشرعية العملية:
فهنا نقل البعض الاتفاق على منعه وعدم جوازه،وفيه نظر!،إذ العمل به خطة أئمة الاجتهاد.
فمالك رحمه الله تعالى يأخذ بالمراسيل والمنقطعات والبلاغات،وكان يقول:"شهرة الحديث بالمدينة تغني عن صحة سنده".
وكذا أبو حنيفة كان يأخذ بالحديث الضعيف،ويقدمه على القياس.
وكذا قال ابن حزم رحمه الله تعالى.
وأخذ أحمد بن حنبل – وتبعه صاحبه أبو داود –بالمرسل إذا لم يجد في الباب غيره.
وقال الخلال:"مذهبه –أي الإمام أحمد – أن الحديث الضعيف إذا لم يكن له معارض قال به".
وسئل أبو حاتم الرازي عن حديث مخلد بن خفاف عن عروة عن عائشة عن النبي r:" الخراج بالضمان"، فقال: ليس هذا إسناد تقوم به الحجة، غير أني أقول به ، لأنه أصلح من آراء الرجال".
وكذا الشافعي يأخذ بالمرسل ، وهو وإن كان لا يقبله إلا بعواضد ، إلا إن بعض تلك العواضد لا تخرج الحديث الضعيف عن ضعفه ، كأن يقول بموجبه صحابي ، أو أن يفتي أكثر أهل العلم به.
وقال السخاوي الشافعي رحمه الله تعالى:"المرسل مع كونه ضعيفا صرح ابن السبكي بأن الأظهر وجوب الانكفاف إذا دل على محظور ولم يوجد سواه ، بل نقل عن الشافعي احتجاجه به إذا لم يوجد سواه".
قلت: وهذا لا يختص بالمرسل فقط،بل يشمل الضعيف بشتى أنواعه.
قال الزركشي رحمه الله تعالى:"ما ذكره من عدم العمل بالضعيف في الأحكام ينبغي أن تستثنى منه صور، إحداها:أن لا يوجد سواه:وقد ذكر الماوردي أن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يوجد دلالة سواه ، وقياسه على غيره من الضعيف كذلك".
وقال الإمام النووي الشافعي رحمه الله تعالى:"وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن، إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك ،كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فالمستحب أن يتنزه عنه".
يقول السيد الحافظ الشريف أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى:"قولهم (الضعيف لا يعمل به في الأحكام) ليس على إطلاقه كما يفهمه جل الناس أو كلهم،لأنك إذا نظرت في أحاديث الأحكام الآخذ بها الأئمة على الاجتماع والانفراد تجد فيها من الضعيف ما لعله يبلغ نصفها أو يزيد،وربما وجدت المنكر والساقط القريب من الموضوع،إلا أن بعضها قالوا فيه :تلقي بالقبول،وبعضها قالوا:انعقد الإجماع على مضمونه،وبعضها قالوا:وافقه القياس،وبقي منها ما لم يجدوا له دعامة فاحتجوا به على علاته وانفراده، غير ناظرين إلى ما أصلوه من أن الضعيف لا يعمل به في الأحكام كما هو الواجب، لأن ما ورد عن الشارع صلى اله عليه وآله وسلم وإن كان ضعيف السند لا يعدل عنه إلى غيره، إذ الشرع شرعه، والقول قوله، والضعيف غير مقطوع بعدم نسبته إليه ما لم يكن واهيا أو معارضا بأصل هو أقوى منه، فلسنا نعيب الاحتجاج به عند عدم ورود غيره، بل نرى التمسك به هو الأولى والواجب، وإنما نعيب الاضطراب في شأنه ، وهو تركه عند المدافعة والاستهجان، والعمل به عند الموافقة والاستحسان.
..(و)كم من حديث ضعيف احتج به الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتبه، بل سأله أصحابه أن يملي عليهم ما صح من السنن فامتنع، وأجاب بأن الصحيح من السنن قليل ، كما أنه احتج برجال اشتهروا بالضعف عند غيره وبلغه الجرح فيهم ،فلم يكن ذلك مانعا من الاحتجاج بخبرهم.
وكذلك مالك احتج بالمراسيل والبلاغات وبرجال متفق على ضعفهم عند أهل الحديث.
وهكذا بقية الأئمة،ما منهم أحد إلا وقد اضطر إلى الأخذ به في كثير من الأحكام ، وصرح بعضهم بأنه عنده أقوى من الرأي ، ومقدم على القياس ، بل قدمه أبو حنيفة على القياس في مسائل متعددة.
وبسط المقام يستدعي طولا ، وأقرب طريق يوصلك إلى التحقق به ، ما يذكره الترمذي في السنن عقب أحاديث ينص على ضعفها وغرابتها ثم يقول : وعليه العمل عند أهل العلم" انتهى.
وهو تحقيق نفيس، فلا تغفل عنه.

حكم العمل به في فضائل الأعمال: كالأحاديث الواردة في الترغيب والترهيب والمواعظ والقصص ونحو ذلك مما لا يترتب عليه اعتقاد أو إثبات حكم شرعي.
فالذي عليه جماهير أهل العلم أن ذلك جائز،ونقل اتفاقا.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:"أجمع أهل الحديث وغيرهم على العمل في الفضائل ونحوها مما ليس فيه حكم ،ولا شيء من العقائد وصفات الله تعالى بالحديث الضعيف".
وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى:"النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث لها".
وقال ابن عبد البر المالكي رحمه الله تعالى:"أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به".
وقال علي القاري الحنفي رحمه الله تعالى في رسالته (( الحظ الأوفر في الحج الأكبر )):"الحديث الضعيف معتبر في فضائل الأعمال عند جميع العلماء من أرباب الكمال".
وقد أفرد الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في (( الكفاية )) بابا لجواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ، أوردا فيه نصوصا كثيرة.
وقال بعض العلماء إن العمل بالحديث الضعيف مشروط بشروط ثلاثة، وهي:


1-أن لا يكون شديد الضعف ، مثل ما انفرد به أحد الكذابين أو المتهمين بالكذب،أو من فحش غلطه، ونحو ذلك.
2-أن يندرج تحت أصل شرعي معمول به ، شامل له ، ليكون ذلك الأصل هو المستند.
3-أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته،بل يعتقد الاحتياط، أي أنه لا يريد أن يهجم على الشرع برأيه، فيأخذ بالخبر الضعيف لا على صحة النسبة إليه بل على احتمال النسبة.
والشرط الأول نقل الحافظ العلائي رحمه الله تعالى الاتفاق عليه.
والأخيران ذكرهما العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد رحمهما الله تعالى.

هذا والقول بالعمل بالحديث الضعيف لَه مدرك من قواعد الشريعة،فقد تأصل عند الفقهاء قولهم:"النفل أوسع من الفرض".
قال الشيخ أبو بكر الأهدل رحمه الله:

والنَّفْلُ فيما قَعَّدُوهُ أَوْسَعُ        حُكْماً مِن الفَرْضِ وعنه فرَّعُوا

أي أن دائرة النفل أوسع من دائرة الفرض،ولهذا تساهل الشارع وتجاوز في دائرة النفل بخلاف دائرة الفرض.
قال العلامة المحقق سيدي عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى:" والجمهور الذين أجازوا العمل بالضعيف في الفضائل ونحوها ، اقتدوا بصنيع الشارع ، حيث تجاوز في الفضائل ، ما لم يتجاوز في الفرائض والأحكام .
... هذا مدرك الذين أجازا العمل بالضعيف في الفضائل ونحوها"اهـ.

هذا والله تعالى أعلم.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates