باب فرائض الوضوء وسننه وفضائله: (2) سنن الوضوء

الجمعة، أبريل 27، 2012 التسميات:
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله
images
قال المصنف رحمه الله تعالى: ( وَأَمَّا سُنَنُ الوُضُوْءِ فَثَمَانِيَةٌ: غَسْلُ اليَدَيْنِ إِلى الكُوْعَيْنِ، وَالمَضْمَضَةُ، وَالاِسْتِنْشَاقُ، وَالاِسْتِنْثَارُ، وَهُوَ جَذْبُ المَاءِ مِن الأَنْفِ، وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا، وَتَجْدِيْدُ المَاءِ لَهُمَا ، وَتَرْتِيْبُ فَرَائِضِهِ ) .
الشرح: بعدما أنهى المصنف رحمه الله الكلام عن فرائض الوضوء، أعقبه ببيان سننه، فقال: ( وَأَمَّا سُنَنُ الوُضُوْءِ ) جمع سُنّة، وهي في اصطلاح الفقهاء: ما قابل الفرض، وأشار إلى عدها بقوله: ( فَثَمَانِيَةٌ ) وهي:
الأُولَى: غَسْلُ اليَدَيْنِ إِلى الكُوْعَيْنِ: ثلاثا قبل إدخالهما الإناء، لكل مريد الوضوء، مُحْدِثاً أو مُجَدِّدا أو يداه طَاهِرَتان. والكوع: آخر الكف مما يلي الإبهام. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده". متفق عليه.
الثانية: المَضْمَضَةُ: وهي: خَضْخَضَةُ الماء في الفم.
الثَالِثة: الاِسْتِنْشَاقُ: وهو: إِدخالُ الماء الأنفَ لِيَخْرُجَ ما فيه من الأذى.
وَيجوز أَن يتمضمض ويستنشق من غرفَة وَاحِدَة، أَو من غرفتين، فَأكْثر. ويستحب المبالغة فيهما ما لم يكن صائما.
قال العلماء: وحِكْمَةُ تقديمِ هذه الثلاث قبل الفرض، أنه يُطْلَبُ للوضوء ماءٌ غيرُ مُتَغَيِّرِ اللَّون أو الطعم أو الرائحة، فبغسل اليدين يظهرُ لونُه، وبالمضمضة طعمُه، وبالابستنشاق رِيحُه.
والدليل على سنية المضمضة والاستنشاق: قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته:"توضأ كما أمرك الله"، وليس في القرآن ذكر المضمضة والاستنشاق، ليس فيه إلا الأمر بغسل الوجه، والوجه: ما حصلت به المواجهة، ومعلوم أن داخل الفم والأنف لا تحصل به مواجهة. وأما أحاديث الأمر بهما؛ فهي محمولة على الندب، بدليل الحديث السابق، جمعا بين الأدلة.
الرابعة: الاِسْتِنْثَارُ، وهو: جَذْبُ المَاءِ مِن الأَنْفِ، ويجعلُ يَدَهُ على أنفه كامْتِخَاطِه، وهو سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
ويدل على سنيته: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر" متفق عليه. والأمر للندب، لما سبق.
ويسن أن يستنثر بيده اليسرى، لما فيه من إزالة الوسخ الذي في الأنف. وفي الحديث عن علي رضي الله عنه أنه دعا بوَضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثا. ثم قال: "هذا طهر نبي الله صلى الله عليه وسلم". رواه النسائي وغيره.
الخامسة: رَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ: أي رد اليدين من مؤخر الرأس إلى مقدمه.
ويدل على سنيتها: حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه المتفق عليه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بمقدم الرأس حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه.
ولو مَرَّ بيده على رأسه، ثم سها عن رَدِّهَا، فقال الإمام سَند صاحب الطراز: إن ذكر قبل أخذ الماء لرجليه فَلْيُعِدْ يَدَهُ على رأسه، وإن بَلَّ يده بالماء بعد مسح رأسه فلا يمسح بها ثانياً. لأن ذلك تَكْرَارُ مَسْحٍ على الوجه المكروه؛ أي: لأنه بماء جديد.
السادسة: مَسْحُ الأُذُنَيْنِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا: والمراد بالظاهِر: ما يَلِي الرَّأس، وقيل: ما يُوَاجِهُهُ.
السابعة: تَجْدِيْدُ المَاءِ لَهُمَا: فلا يَمْسَحْهُما بِبَلِّ رأسِه؛ لأنهما عُضْوَان مُسْتَقِلاَّن. ويدل عليه: حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذه لرأسه. رواه الحاكم في مستدركه وصححه.
الثامنة: تَرْتِيْبُ فَرَائِضِ الوُضُوءِ: بمعنى أنه يغسِل الوجه، ثم الذراعين، ثم يمسح الرأس، ثم يغسل الرجلين، ولا ينكس شيئا من ذلك، فيقدِّمَه على مَحَلِّه، فلو نَكَسَ وجَفَّت أعضاؤُه أعاد الـمُنَكَّسَ وحدَه، وإن لم يبعد أعاد ثلاثا، وما بعده واحدة.
والدليل على سنية ترتيب فرائض الوضوء وعدم وجوبه: عطف ذكر الفرائض في الآية القرآنية بالواو التي هي لمطلق الجمع، دون حروف الترتيب كالفاء وثم. وذلك دليل على عدم الوجوب.
[ فائدة: في حكم من ترك سنة من سنن الوضوء ]:
من تَرَكَ سُنَّة من سُنَن الوضوء عمداً أو سهوا، فإنه يفعلها لِما يُسْتَقْبَل، ولا يجب إعادة الوضوء، ولا ما صلَّى به. واستحبَّ ابن القاسم: الإعادة، وشهَّرَه ابن الحاجب . وهذا بخلاف من ترك سُنَّة من سُنَنِ الصلاة عمداً، فإنه تبطل صلاته على أحد قولين مشهورين، والآخر: لا بطلان ولا سجود. وإنما بَطلت الصّلاةُ بِتَرْكِ السُّنّة ولم يبطُل الوُضُوءُ بِتَرْكِها؛ لأنه وسيلة، وهي مقصد، فهي أشرف. ولهذا يُقتل تاركها، فَسُنَنُها أعظم حرمة من سنة الوضوء. والله أعلم.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates