المقامة الدينارية (2/2)

الأربعاء، نوفمبر 20، 2013 التسميات:
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله


(ثم بسَط يدَهُ) مدها (بعدَما أنْشدَهُ) (وقال: أنْجَزَ حُرٌ ما وعَدَ) أي: أحضر وهيأ، وهذا مثل، قائله: جد امرئ القيس: الحارث آكل المرار، قاله لصخر بن نهشل، وذلك أن الحارث قال لصخر: هل أدلك على غنيمة على أن لي خمسها، فقال له صخر: نعم، فدله على ناس من اهل اليمن، فأغار عليهم صخر بقومه فظفروا وغنموا، فلما انصرف قال له الحارث: أنجز حر ما وعد، فأدار صخر قومه على أن يعطوه ما كان جعل للحارث، فأبوا ذلك عليه، حتى أرغمهم صخر على الإيفاء بما وعد للحارث (وسَحّ) صب وأمطر (خالٌ) غيم يخيل لك أن فيه مطر ( إذ رَعَدَ) صوَّت ( فنبَذْتُ) ألقيت (الدّينارَ إليْهِ. وقلتُ: خُذْهُ غيرَ مأسوفٍ) محزون ( علَيْهِ. فوضَعهُ في فيهِ) فمه (وقال: بارِك اللهُمّ فيهِ! ثمّ شمّرَ للانْثِناء) تأهب للرجوع ( بعْدَ توفِيَةِ الثّناء) إعطاءه حقه وافيا (فنشأتْ لي) وُجِدَت وحضرت (منْ فُكاهَتِه) مزاحه (نشوَةُ غرامٍ) سكرة عشق ( سهّلَتْ عليّ ائْتِنافَ) استقبال (اغْتِرامٍ) غرم (فجرّدْتُ ديناراً آخَرَ وقلتُ لهُ: هلْ لكَ في أنْ تذُمّهُ. ثم تضُمّهُ؟) أي تجمعه مع سابقه (فأنشدَ مُرتَجِلاً) بديها من غير تفكر (وشَدا عجِلاً) أنشد مادا به صوته [شعر] (تبّاً لهُ) دعاء بالتباب، وهو الهلاك والخسران (من خادِعٍ مُماذِقِ) غير مخلص في الود (أصْفَرَ ذي وجْهَيْنِ كالمُنافِقِ) في الحديث المتفق عليه: إن من شر الناس: ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه" (يَبدو) أي الدينار (بوَصْفَينِ لعَينِ الرّامِقِ) الناظر (زينَةِ معْشوقٍ) أي نقشه وتزيينه (ولوْنِ عاشِقِ) أي صفرته ( وحُبّهُ عندَ ذَوي الحَقائِقِ) من أهل العلم والعرفان ( يدْعو الى ارتِكابِ سُخْطِ الخالِقِ لوْلاهُ لمْ تُقْطَعْ يَمينُ سارِقِ ... ولا بدَتْ مظْلِمَةٌ منْ فاسِقِ) خارج عن الطاعة ( ولا اشْمأزّ) انقبض (باخِلٌ) شحيح (منْ طارِقِ) قاصد بليل (ولا شكا المَمطولُ) صاحب الدَّين المؤخر عنه دينه (مطلَ العائِقِ) المانع، ومراده المديون (ولا استُعيذَ منْ حَسودٍ راشِقِ) رام بالنبل شبه كلام الحاسد أو عينه برشق النبال (وشرّ ما فيهِ منَ الخلائِقِ) جمع خليقة، وهي الطبيعة والسجية (أنْ ليسَ يُغْني عنْكَ في المَضايِقِ) الشدائد ( إلاّ إذا فرّ فِرارَ الآبِقِ) العبد الهارب من مولاه (واهاً) كلمة تلهف أو تعجب (لمَنْ يقْذِفُهُ منْ حالِقِ) مرتفع وقيل: الجبل الذي لا نبات عليه (ومَنْ إذا ناجاهُ نجْوى الوامِقِ) المحب (قال لهُ قوْلَ المُحقّ الصّادِقِ) أي قائل الحق والصدق (لا رأيَ في وصلِكَ لي ففارِقِ) [انتهى الشعر].
(فقلتُ له: ما أغزَرَ وبْلَكَ!) أكثر فائدتك وأدبك، والوبل: المطر الشديد (فقال: والشّرْطُ أمْلَكُ) هو من أمثال العرب يضرب بالوفاء بالشرط، ومعناه: أنهم لا يخرجون عن شرطهم تكرما ووفاء، فكأنه ملكهم ( فنفَحتُهُ بالدّينارِ الثّاني) أعطيته إياه (وقلتُ لهُ: عوّذهُما) اجعل لهما عوذا، أي: حرزا (بالمَثاني) فاتحة الكتاب (فألْقاهُ في فمِهِ. وقرَنَهُ بتوأمِهِ) الدينار الأول ( وانْكفأ) انقلب وولى (يحمَدُ مغْداهُ) غدوه (ويمْدَحُ النّاديَ ونَداهُ) جوده.

(قالَ الحارِثُ بنُ همّامٍ: فناجاني) ساررني (قلبي بأنّهُ أبو زيدٍ. وأنّ تعارُجَهُ) إظهار العرج (لِكَيدٍ) لمكر (فاستَعَدْتُهُ) طلبت عوده (وقلتُ له: قد عُرِفْتَ بوشْيِكَ) بفنونك المختلفة، وأصل الوشي: اختلاف الألوان في الثياب ونحوها (فاستَقِمْ) اعتدل (في مشيِكَ) أي اترك التعارج (فقال: إنْ كُنتَ ابنَ هَمّامٍ. فحُيّيتَ بإكْرامٍ) بعز وكرامة (وحَييتَ بينَ كِرامٍ! فقلتُ: أنا الحارثُ. فكيفَ حالُك والحوادِثُ؟) ما يحدث من الخير والشر (فقال: أتقلّبُ في الحالَينِ بُؤسٍ ورَخاءٍ) شدة وسعة عيش (وأنقَلِبُ مع الرّيحَينِ زعْزَعٍ) أي الشديدة الهبوب التي تزعزع الأشياء وتحركها (ورُخاءٍ) لينة (فقلتُ: كيفَ ادّعَيْتَ القَزَلَ؟) أسوأ العرج (وما مِثلُكَ مَن هزَلَ) ترك الجد (فاسْتَسَرَّ) خفي (بِشْرُهُ) طلاقة وجهه (الذي كانَ تجلّى) ظهر وبدا (ثمّ أنشَدَ حينَ ولّى) ذهب [شعر] ( تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَجْ ... ولكِنْ لأقْرَعَ) أطرق ( بابَ الفرَجْ. وأُلْقيَ حبْلي على غارِبي) أي: أسرح وأمشي حيث شئت ( وأسلُكَ مسْلَكَ) طريق (مَن قد مرَجْ) خلط الجد بالهزل ( فإنْ لامَني) عاتبني (القومُ قلتُ اعذِروا ... فليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ) إثم. 

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates