مباحث صفات الله تعالى: ثانيا الصفات السلبية (2)

الأحد، نوفمبر 24، 2013 التسميات:
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله

قال الناظم رحمه الله تعالى:
... فَالتَّأْثِيرُ لَيْسَ إِلَّا
لِلْوَاحِدِ القَهَّارِ جَلَّ وَعَلَا
وَمَنْ يَقُلْ بِالطَّبْعِ أَوْ بِالعِلَّةِ
فَذَاك كُفْرٌ عِنْدَ أَهْلِ المِلَّةِ
وَمَنْ يَقُلْ بِالقُوَّةِ المُودَعَةِ
فَذَاكَ بِدْعِيٌّ فَلَا تَلْتَفِتِ
قلت:
الفاء هنا تفريعية، أي هذا تفريع على ما تقدم من وحدانية الأفعال في حقه تعالى، والتقدير: حيث إنه تعالى المتفرد بالخلق والإبداع، المستقل بالإيجاد، لا رب غيره، ولا فاعل على الحقيقة سواه ، فليس في الوجود مؤثر غيره. قال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}.
وقال جماعة من الفلاسفة: إن العلل مؤثرة في معلولاتها بدون إرادة الله، بل بذاتها، ولا يمكن تخلفها، كحركة الخاتم في الإصبع، متى تحرك الأصبع لزم منه تحرك الخاتم، ولا يمكن أن يختلف، أراد الله تعالى أو لم يرد.
وبعضهم يقول: إنها مؤثرة بطبعها، بشرط توفر الشروط، وانتفاء الموانع، بدون إرادة الله تعالى، فالنار تحرق إذا توفرت شروط الإحراق، وانتفت موانعه.
وكلا القولين كفر عند المسلمين.
وقال بعض أهل البدعة، وهم فرقة المعتزلة: إن الله أودع في الأسباب قوة على إيجاد مسبباتها، فأودع في النار قوة على الإحراق، فهي تحرق متى وجدت، وأودع في الإنسان قدرة على خلق أفعال، فهو يخلق أفعاله متى شاء. وهذا قول مبتدع مخالف لما عليه اعتقاد أهل السنة والجماعة، أن لا مؤثر في الحقيقة غير الله تعالى.
قال الناظم رحمه الله تعالى:
لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفاً بِهَا لَزِمْ
حُدُوثُهُ وَهْوَ مُحَالٌ فَاسْتَقِمْ
لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى التَّسَلْسُلِ
وَالدَّوْرِ وَهْوَ المُسْتَحِيلُ المُنْجَلِي
قلت:
هذا إجمال لبرهان الصفات السلبية.
والمعنى أنه لم يكن سبحانه وتعالى متصفا بالصفات السلبية، بأن كان غير قديم، أو غير باق، أو كان مماثلا للحوادث، أو غير قائم بنفسه، أو غير واحد، للزم حدوثه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وهذا اللزوم باطل لكونه مفض إلى التسلسل أو إلى الدور، وهما محالان، فما أفضى إليهما وهو الحدوث محال، وإذا كان الحدوث عليه محالا، ثبت اتصافه بالصفات السلبية.
وقد تقدم برهان كل صفة على حدتها عند ذكرها. والله تعالى أعلم. 
قال الناظم رحمه الله تعالى:
فَهْوَ الجَلِيلُ وَالجَمِيلُ وَالوَلِي
وَالطَّاهِرُ القُدُوسُ وَالرَّبُّ العَلِي
قلت:
هذا استطراد من الناظم رحمه الله تعالى بذكر بعض أسماء الله تعالى المتضمنة لما ذكره من صفات السلوب. فهو سبحانه وتعالى (الجليل) أي: العظيم الشأن (والجميل) أي: المتصف بصفات الجمال والكمال، وإنما يتأتى ذلك بسلب صفات النقص عنه (والولي) الناصر والمتولي للأمر القائم به (والطاهر) المنزه عن كل ما لا يليق به (والقدوس) المنزه عن كل نقص والطاهر عن كل عيب (والرب) المالك والمدبر (العلي) المرتفع القدر.
مُنَزَّهٌ عَن الحُلُولِ وَالجِهَهْ
وَالاِتِّصَالِ وَالاِنْفِصَالِ والسَّفَهْ
قلت:
المعنى أنه سبحانه وتعالى منزه عن الحلول في الأمكنة والأجسام، وعن الكينونة في جهة.
قال العلامة المقري رحمه الله في منظومته:
ولا تصخ لمذهب النصارى

أو منْ إلى دعوى حلول صارا
وذلك كالقول بالاتحاد

نحلة أهل الزيغ والإلحاد
وقال العلامة الطحاوي: "لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات".
كما أنه منزه عن الاتصال في الذات أو بالغير أو الانفصال، فلا يقال: إنه متصل بالعالم، ولا منفصل عنه، لأن هذه الأمور من صفات الحوادث، والله تعالى ليس بحادث.
وهو أيضا سبحانه منزه عن السفه، وهو: وضع الشيء في غير محله، بل هو المدبر الحكيم سبحانه وتعالى. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates