المقامة الدمياطية (2/2)

الأربعاء، نوفمبر 27، 2013 التسميات:
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله



(قال الحارثُ بنُ همّام: فلمّا وعَيتُ) حفظت (ما دارَ) جرى (بينهُما) أي من الكلام (تُقْتُ) اشتقت (الى أن أعرِفَ عينَهُما) شخصهما (فلمّا لاحَ) ظهر (ابنُ ذُكاء) الذكاء هي الشمس، ومراده: الصبح، وقيل له ابن ذكاء لأنه من ضوئها (وألحَفَ) غطى (الجوَّ الضّياءُ) أي أن الصبح جعل الضياء كاللحاف للجو وغطاه به (غدَوْتُ) ذهبت غدوة (قبلَ استِقلالِ) ارتفاع وقيام (الرّكابِ) الإبل (ولا اغتِداءَ الغُرابِ) أي: ولا مثل غدوه، تقول: غدا واغتدى إذا راح غدوة، ومراده: أن غدوه أبكر من اغتداء الغراب (وجعلْتُ) طفقت (أستَقْري) أتتبع (صوْبَ) ناحية (الصّوتِ اللّيْليّ) الذي سمع بالليل (وأتوسّمُ) أتفرس (الوُجوهَ بالنّظَرِالجَليّ) البين والواضح (الى أنْ لمحْتُ) أبصرت (أبا زيْدٍ وابنَهُ يتحادَثان. وعلَيهِما بُرْدانِ) ثوبان (رثّانِ) باليان (فعَلِمتُ أنّهُما نجِيّا ليلَتي) أي: المتحدثين فيها (وصَاحِبَا رِوايَتي) أي اللذين أروي عنهما هذه الرواية (فقَصَدْتُهُما قصْدَ كلِفٍ) عاشق (بدَماثَتِهِما) سهولة خلقهما (راثٍ) مشفق راحم (لرَثاثَتِهِما) سوء حالهما (وأبَحْتُهُما) أحللت لهما (التحَوّلَ الى رحْلي) منزلي (والتّحكّمَ في كُثْري وقُلّي) أي كثير مالي وقليله (وطَفِقْتُ) أخذت (أُسيّرُ) أنشر (بينَ السّيّارةِ) القوم الذين يسيرون في الأسفار (فضْلَهُما) أدبهما وعلمهما (وأهُزّ الأعْوادَ المُثمِرَةَ لهُما) أي: إنه استعطف لهما أصحاب الأموال ليجودوا عليهما بما يرفع عنهما الرثاثة (إلى أنْ غُمِرا) غطيا (بالنُّحْلانِ) العطايا (واتُّخِذا منَ الخُلاّنِ) الأصحاب (وكُنّا بمعرَّسٍ) موضع النزول آخر الليل (نتبيّنُ منْهُ بُنْيانَ القُرَى) أي يظهر لنا منه (ونتنوّرُ) نبصر (نيرانَ القِرَى) طعام الضيف (فلمّا رأى أبو زيدٍ امتِلاءَ كِيسِهِ) وعاء دراهمه (وانجِلاءَ) انكشاف (بُوسِهِ) فقره (قال لي: إنّ بدَني قدِ اتّسَخَ) صار وسخا (ودرَني) الوسخ (قد رسَخَ) ثبت (أفتأذَنُ لي في قصْدِ قريَةٍ لأستَحمّ) أدخل الحمام (وأقضيَ هذا المُهِمَّ؟) أي: غسل وسخه الذي أهمه (فقلتُ: إذا شِئْتَ فالسّرعَةَ السّرْعَهْ) أي الزم السرعة وكررها للتأكيد (والرّجعَةَ الرّجْعَهْ!) أي: عجل العودة (فقال: ستجِدُ مطْلَعي عليْكَ) أي: طلوعي (أسرَعَ منِ ارْتِدادِ) رجوع (طرْفِكَ إليْكَ) أي: رجوع نظرك.
(ثمّ استَنّ) جرى (استِنانَ الجَوادِ في المِضْمارِ) موضع المسابقة (وقال لابْنِهِ: بَدارِ بَدارِ!) سبقا سبقا (ولمْ نخَلْ) لم نحسب (أنّهُ غَرَّ) خدع (وطلَبَ المفَرّ) المهرب (فلبِثْنا نرقُبُهُ) ننتظره ونرصده (رِقبَةَ الأعْيادِ) أي: مثل ترقب أهلة الأعياد ( ونستَطلِعُهُ) نطلب طلوعه (بالطّلائِعِ) الباحثون عليه (والرّوّادِ) الطالبون له (الى أنْ هَرِمَ) كبر وشاخ (النّهارُ) أي: قارب أن يتم (وكادَ جُرُفُ اليومِ ينْهارُ) ينهدم (فلمّا طالَ أمَدُ الانتِظارِ) غايته (ولاحَتِ الشمسُ في الأطْمارِ) الثياب الخلقة ومراده: أن ثوب الشمس وهو ضوؤها قد بلي عند الغروب (قُلتُ لأصْحابي: قد تَناهَيْنا) بلغنا النهاية (في المُهْلَةِ) التراخي وعدم العجلة (وتمادَيْنا في الرّحلَةِ) أي في تركها وتأخيرها (الى أنْ أضَعْنا الزّمانَ) الوقت (وبانَ أنّ الرجُلَ قد مَانَ) كذب (فتأهّبوا) استعدوا (للظّعَنِ)  الرحيل (ولا تَلْووا) تُعَرِّجُوا (على خضْراء الدِّمنِ) البقلة الناضرة في دمنة البعر، وأصل الدمن: ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها، أي: تلبده في مرابضها (ونَهَضْتُ لأحدِجَ راحِلَتي) أجعل عليها الحدج، وهو مركب من مراكب النساء، ومراده هنا: الرحل (وأتحمّلَ لرِحلَتي) أتهيأ لرحيلي (فوجدْتُ أبا زيْدٍ قد كتبَ. على القَتَبِ) خشب الرحل [شعر] (يا مَنْ غَدا لي ساعِداً) ذراعا أستعين به (ومُساعِداً) موافقا (دونَ البَشَرْ) أي إنه اختص بذلك (لا تحْسَبَنْ) لا تظن (أنّي نأيْتُكَ) بعدت عنك (عنْ مَلالٍ) ملل وسآمة (أو أشَرْ) بطر (لكنّني مُذْ لمْ أزَلْ) أي: منذ رمان سابق (ممّنْ إذا طَعِمَ انتشَرْ) ذهب [انتهى الشعر].
(قال: فأقْرَأتُ الجَماعةَ القتَبَ) أي: ما كتب عليه (ليعْذِرَهُ منْ كان عتَبَ) لام (فأُعجِبوا بخُرافَتِه) بحديثه الكذب المستملح (وتعوّذوا منْ آفَتِه) ضرره (ثمّ إنّا ظعَنّا) رحلنا (ولمْ ندْرِ منِ اعتاضَ عنّا) أي: استبدل.
انتهت المقامة الدمياطية. هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates