الباب الثاني: أحوال المسند إليه: (3) التعريف

الأحد، نوفمبر 24، 2013 التسميات:
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله


قال الناظم رحمه الله:
وَإنْ بإضْمارٍ يَكُنْ مُعَرَّفا


فَللْمَقاماتِ الثَّلاثِ فاعْرِفا

وَالأصْلُ في الْخطابِ للْمُعّيَّنِ

وَالتَّرْكُ فِيْهِ لِلْعُموم الْبَيِّنِ


وَعَلَمِيَّةٌ فَلِلإحْضارِ

وَقَصْدِ تَعْظيمٍ أوِ احْتقارِ 
وَصِلَةٌ لِلْجَهْلِ والتَّعْظيمِ

للشَّأْنِ وَالإيماءِ والتَّفْخيمِ
وَبإِشارَةٍ لِذي فَهْمٍ بَطِي


في الْقُرْبِ والْبُعْدِ أوِ التَّوسُّطِ
وَ "أل" لِعَهْدٍ أَوْ حَقِيقَةٍ وَقَدْ

تُفِيدُ الاِسْتِغْرَاقَ أَوْ لِمَا انْفَرَدْ
وَبإضافَةٍ فَلِاخْتِصارِ

يَعُمْ وَلِلذَّمِّ أوِ احْتِقارِ

قلت:
هذا هو الحال الثالث من أحوال المسند إليه، وهو: التعريف. أي: إيراده معرفة.
وهو يكون بأمور، ذكر منها الناظم رحمه الله تعالى ستة أمور، وهي: الإضمار، والعلمية، والإشارة، والموصولية، و"ال"، والإضافة، ولكل منها أغراض يأتي ذكرها في كلام الناظم رحمه الله تعالى.
التعريف بالضمير
وبدأ بالضمير، لأنه أعرف المعارف. فقال:
وَإنْ بإضْمارٍ يَكُنْ مُعَرَّفا

فَللْمَقاماتِ الثَّلاثِ فاعْرِفا
المعنى: أن المسند إليه يجيء مضمرا للمقامات الثلاث، التي هي: مقام المتكلم، نحو قول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ++ وأسمعت كلماتي من به صمم
أو خطاب، نحو قول القائل:
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ++ وأشمت بي من كان فيك يلوم
أو غيبة، نحو قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى}، أي: العدل.
وقول الناظم رحمه الله:
وَالأصْلُ في الْخطابِ للْمُعّيَّنِ


وَالتَّرْكُ فِيْهِ لِلْعُموم الْبَيِّنِ

            معناه: أن الأصل في المخاطب أن يكون لمعين، سواء أكان مفردا أم مثنى أم جمعا، وقد لا يقصد به معين، ليعم كل مخاطب على سبيل البدل،نحو قوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار}، فقد أخرج في صورة الخطاب ليعم، إذ المراد أن حالهم قد تناهت في الظهور بحيث لا تختص براء دون آخر، فلا يختص بالخطاب مخاطب معين، بل كل من تتأتى منه الرؤية، فله مدخل فيه.
التعريف بالعلمية:
ثمَّ قال الناظم رحمه الله:
وَعَلَمِيَّةٌ فَلِلإحْضارِ

وَقَصْدِ تَعْظيمٍ أوِ احْتقارِ
هذا هو الوجه الثاني من طرق التعريف: أن يأتي علما شخصيا، وذلك يكون لأحد أغراض، ذكر منها الناظم رحمه الله تعالى ثلاثة، وهي:
1-            إحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسمه الخاص به. نحو قوله تعالى: {الله الصمد}. فـ (الله) علم أتي به لأجل إحضار معناه في ذهن السامع باسمه الخاص.
2-            الإجلال، وهو مراد الناظم رحمه الله بقوله: "قصد تعظيم"، وذلك: نحو قولك: "محمد سيد الخلق" صلى الله عليه وسلم.
3-            الاحتقار: نحو قولك: "مسليمة مدع كذاب".
التعريف بالموصولية:
ثم قال الناظم رحمه الله:
وَصِلَةٌ لِلْجَهْلِ والتَّعْظيمِ

للشَّأْنِ وَالإيماءِ والتَّفْخيمِ
هذا هو الوجه الثالث من طرق التعريف: أن يأتي اسما موصولا. وذلك يكون لأغراض، منها بحسب ذكر الناظم رحمه الله تعالى:
1)             جهل المخاطب بأحوال المسند إليه كلها غير الصلة، نحو قولك: "الذي زارنا أمس إمام عالم".
2)             التعظيم، نحو قول الفرزدق:
                إن الذي سمك السماء بنى لنا ++ بيتا دعائمه أعز وأطول
3)             الإيماء والإشارة إلى وجه بناء الخبر، نحو قوله تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، فإن فيه إيماء إلى أن الخبر المبني من جنس العقاب والإذلال، بخلاف ما إذا ذكرت أسماؤهم الأعلام .
4)             التفخيم، وهو التعظيم مع التهويل. نحو قوله تعالى: {فغشيهم من اليم ما غشيهم} ففي الموصول : إبهام أشعر بأن ما غشيهم أمر لا يدرك كنهه، بخلاف ما لو حُدِّد الأمر الذي غشيهم، فقيل –مثلا- : (غشيهم موج عالٍ).
التعريف بسم الإشارة:
ثم قال الناظم – رحمه الله -:
وَبإِشارَةٍ لِذي فَهْمٍ بَطِي


في الْقُرْبِ والْبُعْدِ أوِ التَّوسُّطِ

هذا هو الوجه الرابع من طرق التعريف: أن يأتي اسم إشارة.
ومن دواعي ذلك:
+التعريض ببلاده المخاطب وغباوته، حتى إنه لا يُميِّزُ الشيء المعقول مهما كانت آثاره ظاهرة، ومنه قول الفرزدق يخاطب جريرًا:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم


إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ

·      بيان حال المشار إليه من القرب أو التوسط أو البعد، كقولك في الإشارة للقريب: "هذا زيد"، وللمتوسط: "ذاك زيد", وللبعيد: "ذلك زيد".
التعريف بــ "أل:
ثم قال الناظم رحمه الله :
وَ "أل" لِعَهْدٍ أَوْ حَقِيقَةٍ وَقَدْ

تُفِيدُ الاِسْتِغْرَاقَ أَوْ لِمَا انْفَرَدْ
هذا هو الوجه الخامس من طرق التعريف: أن يأتي معرفا بـ "أل".
و"أل" على قسمين:
الأول: ا(أل) التي للعهد ، وهي التي : تدخل على معهود للسامع. نحو قوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول}.      
الثاني : (أل) التي للحقيقة ، وهي التي تدخل على ماهية الشيء وحقيقته، مما لم يسبق للسامع عهد به. وتسمى أيضا: لام الجنس.
وقوله: "وقد تفيد الاستغراق": أي: إن "ال" التي للحقيقة، قد يراد بها استغراق أفراد الجنس، إما استغراقا حقيقيا، وهي لتي يراد بها استغراق جميع أفراد الجنس بحسب وضع اللغة، نحو قوله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفا}. أو استغراقا عرفيا، وهي التي يراد بها استغراق جميع أفراد الجنس بحسب عرف ما. نحو قولك: "جاء التجار"، فـ: ( أل) هنا تستغرق تجار مدينة أو محلة – مثلا- ، ولا يمكن أن يكون الاستغراق فيها حقيقيا. 
وقوله: "أو لما انفرد": يعني أن "أل" التي للحقيقة قد يراد بها إفادة واحد من الأفراد عهديته حاصلة في الذهن، وتسمى "ال" العهد الذهني، نحو قوله تعالى: {وأخاف أن ياكله الذيب}.
التعريف بالإضافة:
ثم قال الناظم رحمه الله:
وَبإضافَةٍ فَلِاخْتِصارِ

يَعُمْ وَلِلذَّمِّ أوِ احْتِقارِ 
هذا هو الوجه السادس من طرق التعريف: أن يأتي مضافا لمعرفة.
ومن دواعي الإتيان بالمسند مضافا:
·      أن تكون الإضافة أخصر طريقة للتعبير عن المسند إليه، والمقام يتطلب الاختصار، نحو: "جاء غلامي"، فهو أخصر من: جاء غلام لي، أو الغلام الذي لي.
·      الذم، نحو: "تعس عبد الدرهم".
·      التحقير، نحو: "هذا ابن اللص".
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates