مباحث صفات الله تعالى: ثالثا: صفات المعاني

الثلاثاء، نوفمبر 26، 2013 التسميات:
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله


قال الناظم رحمه الله تعالى:
ثُمَّ المَعَانِي سَبْعَةٌ لِلرَّائِي *** أَيْ عِلْمُهُ المُحِيطُ بِالأَشْيَاءِ
حَيَاتُهُ وَقُدْرَةٌ إِرَادَهْ *** وَكُلُّ شَيْءٍ كَائِنٍ أَرَادَهْ
وَإِنْ يَكُنْ بِضِدِّهِ قَدْ أَمَرَا *** فَالقَصْدُ غَيْرُ الأَمْرِ فَاطْرَحِ المِرَا
فَقَدْ عَلِمْتَ أَرْبَعاً أَقْسَامَا *** فِي الكَائِنَاتِ فَاحْفَظِ المَقَامَا
كَلَامُهُ وَالسَّمْعُ وَالإِبْصَارُ *** فَهْوَ الإِلَهُ الفَاعِلُ المُخْتَارُ
قلت:
صفات المعاني المراد بها:  صفات زائدة على الذات، قائمة بها، لازمة لها لزوما لا يقبل الانفكاك، فهي دائمة الوجود مستحيلة العدم.
وصفات المعاني سبعة، وهي كما ذكر الناظم رحمه الله تعالى: العلم، الحياة، القدرة، الإرادة، الكلام، السمع، والبصر.
وهذا بيان لكل واحدة منها.
أولا: العلم
والمراد بالعلم: صفة وجودية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالشيء على وجه الإحاطة على ما هو به دون سبق خفاء.
والدليل على وصف الله تعالى بالعلم :
من الكتاب : قوله تعالى « والله بكل شيء عليم  » [النساء:176] .
ومن السنة : حديث صلاة الاستخارة ، وفيه : " .. وتَعْلَمُ ولا أَعْلَمُ ، وأنتَ علاَّمُ الغيوب " رواه البخاري.
وأجمعت الأمة على أن الله عالم عليم.
ثانيا: الحياة
والمراد بها: صفة أزلية تصحح لمن قامت به أن يتصف بصفات الإدراك، أي السمع والبصر والعلم .
والحياة شرط في جميع صفات المعاني، يلزم من عدمها عدم الإدراك، ولا يلزم من وجودها وجود الإدراك ولا عدمه.
والدليل على وصف الله تعالى بالحياة:
من الكتاب: قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [ البقرة:255 ].
من السنة: عن أنس: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا ورجل يصلي، ثم دعا: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم"، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " لقد دعا الله باسمه العظيم ، الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى " رواه أبو داود.
وأجمعت الأمة على أن الله تعالى حي بحياة.
ثالثا ورابعا: القدرة والإرادة
المراد بالقدرة: صفة أزلية يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه على وفق الإرادة.
والمراد بالإرادة: صفة أزلية يتأتى بها تخصيص الممكن ببعض ما يجوز عليه على وفق العلم.
والدليل على وصف الله تعالى بالقدرة:
من الكتاب: قوله تعالى : {إن الله على كل شيء قدير} [البقرة:148]
من السنة: عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " لا إله إلا الله وحده لا شرك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " متفق عليه.
وأجمعت الأمة على أن الله قدير.
والدليل على وصف الله تعالى بالإرادة:
من الكتاب: قوله تعالى: {فعال لما يريد} [البروج:16].
من السنة: عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قال إذا أصبح و إذا أمسى : ربى الله توكلت عليه ، لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، ما شاء الله كان ، و ما لم يشأ لم يكن ، أعلمُ أن الله على كل شىء قدير ، و أن الله قد أحاط بكل شيء علما ، ثم مات ؛ دخل الجنة " رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة.
وأجمعت الأمة على أن الله مريد.
وأما الدليل العقلي على اتصاف الله تعالى بهذه الصفات الأربعة فهو: أنه لو انتفى شيء منها لما وُجِد شيء من الحوادث، إذ أن تأثير القدرة الأزلية موقوف على إرادته تعالى ذلك الأثر، وإرادته تعالى ذلك الأثر، موقوفة على العلم به، والاتصاف بالقدرة والإرادة والعلم موقوف على الاتصاف بالحياة، إذ هي شرط فيها، ووجود المشروط بدون شرطه مستحيل. ونفي الحوادث محال بدليل المشاهدة، فإذا بطل نفي الحوادث بطل انتفاء شيء من هذه الصفات، وإذا بطل انتفاء شيء منها وجب أن الإله متصف بها، وهذا هو المطلوب .
وقول الناظم رحمه الله تعالى: " وَكُلُّ شَيْءٍ كَائِنٍ أَرَادَهْ" الخ
معناه: أن كل شيء واقع فهو مراد له تعالى، سواء أمر به أو لا،  فلا يخالف شيء إرادته، وإن خالف أمره، لأنه لا تلازم بين الإرادة والأمر، ويتحصل من هذا أربعة أقسام:
1-أن يأمر ويريد، كأمره أبا بكر الصديق رضي الله بالإيمان، وإرادته له.
2-أن يأمر ولا يريد، كأمره أبا لهب بالإيمان، وعدم إرادته له.
3-أن لا يأمر ويريد، كعدم أمره أبا لهب بالكفر، وإرادته له.
4-أن لا يأمر ولا يريد، كعدم أمره من مات مؤمنا بالكفر، وعدم إرادته له.
خامسا: الكلام
والمراد بالكلام: المعنى القائم بالذات، المعبر عنه بالعبارات المختلفات، المُبَاين لجنس الحروف والأصوات ، المُنَزَّه عن التقديم والتأخير، والكل والبعض، واللحن والإعراب، وسائر أنواع التغييرات، المُتَعَلِّق بما يتعلق به العلم من التعلقات.
وكلام الله تعالى ليس بحروف؛ لأن الحروف حادثة.
وليس بصوت؛ لأن الأصوات حادثة.
ولأن الحروف والأصوات فيها تقديم وتأخير، وكلام الله منزه عن ذلك.
وليس بسر ولا جهر؛ لأنهما من كلام الحوادث.
والدليل اتصاف الله بالكلام من الكتاب: قوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليما} [النساء:164].
ومن السنة : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان " متفق عليه.
وأجمع أهل السنة على أن الله متكلم بكلام قديم أزلي.
سادسا وسابعا: السمع والبصر
والمراد بهما: صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى غير منفصلة عنه، ينكشف بهما كل موجود. وانكشاف السمع يباين انكشاف البصر.
والدليل على اتصاف الله بالسمع والبصر: النقل والعقل.
أما النقل: فما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع .
فمن الكتاب: {إنه هو السميع البصير}  [الإسراء : 1] .
ومن السنة: عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، ولكن تدعون سميعا بصيرا " الحديث متفق عليه.
وأجمعت الأمة على أن الله تعالى سميع بصير.
وأما دليل العقل: فهو أن السمع والبصر كمال، والسميع البصير أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر، ولو لم يتصف الله تعالى بالسمع والبصر للزم النقص في حقه تعالى، والنقص محال على الله، فيستحيل على الله عدم اتصافه بالسمع والبصر، والذي يؤكد ذلك أن الأنبياء ذموا أقوامهم لعبادتهم أصناما صفتها أنها لا تسمع ولا تبصر، فدل هذا على أن المعبود يجب أن يتصف بالسمع والبصر، ومن ذلك قوله الخليل إبراهيم عليه السلام {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} [ مريم:42] ، فلو كان الله لا يتصف بالسمع والبصر، لاحتج قوم إبراهيم عليه أيضا بأنه هو أيضا يعبد إلها لا يسمع ولا يبصر.
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم : هشام حيجر
خريج دار الحديث الحسنية من المغرب الأقصى ، صدرت له مجموعة من الإصدارات العلمية ، تستطيع متابعتي من خلال ما يلي :

0 التعليقات :

 
واحة الفقيه والمتفقه © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates